قرار دولي بولادة دولة فلسطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

في 29 نوفمبر 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 181 الذي قضى بتقسيم أرض فلسطين التاريخية، وبنتيجته ولدت دولة إسرائيل، وحظيت باعتراف دولي، في حين تم تغييب دولة فلسطين وتشريد شعبها.

لم تشعر الأمم المتحدة طوال تلك الفترة بضرورة تصحيح الغبن الذي لحق بالقضية الفلسطينية شعباً وأرضاً، كما أن الفلسطينيين أنفسهم لم يحسنوا توحيد صفوفهم، وانشغلوا بصراعات دموية حالت دون تحرير أرضهم وإقامة دولتهم المستقلة عليها.

وبعد 65 عاماً من إصدار قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما غاصبة والأخرى مغيبة بالقوة الإسرائيلية المدعومة أميركياً، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على ترقية السلطة الفلسطينية فيها، من موقع المراقب إلى موقع دولة غير عضو. ونال القرار الصادر في 29 نوفمبر 2012، تأييد 138 دولة من 193 دولة تشكل الجمعية العامة، ورفضته تسع دول فقط بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، وامتنعت 41 دولة عن التصويت.

 لقد عبر القرار عن اعتراف دولي بدولة فلسطينية ذات سيادة مرتقبة مستقبلياً، فعمت المظاهرات مدن الضفة الغربية وقطاع غزة دعما لنجاح المسعى الفلسطيني في المنظمة الدولية، وتصاعدت الدعوات لاستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام، ورحبت أوساط واسعة من فلسطينيي العام 1948، بنجاح التضامن الفلسطيني في استعادة اللحمة الوطنية.

تعددت المواقف الفلسطينية من القرار الأممي الجديد، فمنهم من اعتبره تصحيحا جزئيا لغبن تاريخي لحق بشعب فلسطين، والتداعيات الكارثية التي نجمت عن عدم تطبيق قرار التقسيم منذ العام 1947. ومنهم من رحب به كخطوة أولى على طريق حل الدولتين، تمهيدا للسلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط. ودعا الجميع إلى مصالحة حقيقية بين الفلسطينيين، تمهد لقيام دولتهم المستقلة على أرضهم، وترفض محاولات تغييب القرار الفلسطيني المستقل.

وحظي القرار الدولي باهتمام خاص لصدوره عن الأمم المتحدة في الذكرى الخامسة والستين، ورحبت به الصحافة العربية، وطالبت بتحويله إلى حقيقة تجسد قيام دولة فلسطين على أرض الواقع. فالقرار يشير إلى دولة مراقبة، أو دولة على عتبة الأمم المتحدة تنتظر تحرير فلسطين.

لكن أرض فلسطين ما زالت محتلة، بعد أن وصفت بأنها دولة غير عضو في الأمم المتحدة، وأرضها متنازع عليها مع الاحتلال الإسرائيلي. مع ذلك، شهد الجميع لميلاد دولة فلسطين باعتراف 138 دولة في الأمم المتحدة، ومن المتوقع أن تضم مناطق الضفة الغربية وغزة، اللتين توحدتا مجدداً واحتفلتا بالانتصار السياسي الفلسطيني عبر النضال السلمي.

وأكثر المؤيدون للقرار الجديد، من تعداد الإيجابيات الناجمة عنه والتي تعطي حقوقاً إضافية للفلسطينيين. فدولة فلسطين وفق الصيغة الجديدة، تمتلك شرعية تفعيل العمل الدبلوماسي لتعزيز العلاقات مع الدول الصديقة، من خلال تبادل السفراء وتوقيع المعاهدات.

كما أن موقع الدولة غير العضو في الأمم المتحدة، يسمح لها بتقديم شكاوى رسمية ضد الاحتلال الإسرائيلي، دون وساطة دولة عربية أو جامعة الدول العربية. وبات بإمكانها مقاضاة إسرائيل لدى المحاكم الدولية، وملاحقة الإسرائيليين الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد الفلسطينيين، أمام المحكمة الجنائية الدولية.

لذا كانت ردة فعل الإسرائيليين عنيفة جداً تجاه الاعتراف بدولة فلسطين، فوصفه نتنياهو بأنه غير مجد ولا يغير شيئاً على أرض فلسطين، وهدد بأن الفلسطينيين لن يحصلوا على أي دولة بهذه الطريقة.

وندد بالأمم المتحدة التي استمعت إلى "خطاب مليء بالدعاية الكاذبة ضد الجيش الإسرائيلي والمواطنين الاسرائيليين"، حسب تعبيره، ووصف الرئيس الفلسطيني بالرجل الذي لا يريد السلام مع إسرائيل، وأن القرار سيؤخر كثيراً إقامة الدولة الفلسطينية التي يحلم بها.

وكرر مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة التهديد نفسه، قائلاً إن الإسرائيليين كانوا يتوقعون من الرئيس الفلسطيني الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية أولًا، إذا كان يريد السلام معها، وأنه كان على المجتمع الدولي أن يمتنع عن دعم هذا القرار، لأنه لا يشجع الفلسطينيين على القيام بمفاوضات دون شروط مسبقة، لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطين منزوعة السلاح. وأكد أن إسرائيل لن تقبل بهذا القرار الصادر عن الجمعية العامة، لأنه يؤسس قاعدة عسكرية إيرانية في داخلها.

لا شك أن ما يثير مخاوف الإسرائيليين والأميركيين معاً، هو إمكان انضمام الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية ورفع شكاوى لديها ضد إسرائيل. لذلك لوحت الولايات المتحدة، قبل التصويت على القرار وبعده، بفرض عقوبات على المنظمات التي تعترف بمضمون هذا القرار، وحذرت من أن الكونغرس الأميركي قد يجمد 200 مليون دولار من المساعدات التي وعد بها الفلسطينيين.

في المقابل، لاحظ الرئيس الفلسطيني تطوراً كبيراً في الموقف الأوروبي، من حصول فلسطين على صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة. وكان الاتحاد الأوروبي قد عبر مرارا عن رغبته في أن تصبح فلسطين عضوا في هيئات الأمم المتحدة، للمشاركة في حل النزاع المزمن مع الإسرائيليين، وأبدى استعداده للاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت المناسب، لذلك صوتت أكثرية دول الاتحاد الأوروبي إلى جانب القرار. وصدمت إسرائيل من إعلان دول أوروبية عدة دعمها للمسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة.

بدورها، رحبت الصين بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح فلسطين مكانة أعلى في المنظمة الدولية، والذي أظهر الدعم الواسع الذي وفره المجتمع الدولي لقضية فلسطين العادلة، وتوقعت المزيد من الاعتراف الدولي بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. واعتبرت الصين أن الاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، خطوة إيجابية على طريق قيام دولة فلسطينية مستقلة.

ختاماً، في 29 نوفمبر 2012 أصبحت فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، بحصولها على أكثر من ثلثي أصوات الجمعية العامة، مما شكل انتصارا دبلوماسيا هاما للشعب الفلسطيني، ودعما دوليا لمواصلة عملية السلام في الشرق الأوسط.

وتصرفت القوى الفلسطينية، في السلطة والمعارضة، بمسؤولية عالية وإيجابية لتبديد مخاوف بعض الدول من عواقب انضمام فلسطين الى المنظمات الدولية. وطالب الأمين العام للأمم المتحدة على الفور، كلاً من القادة الفلسطينيين والإسرائيليين بالعمل معاً لإحياء عملية السلام المتوقفة منذ زمن بعيد.

لكن رد الفعل الإسرائيلي والأميركي كان سلبياً للغاية، مما يلزم الفلسطينيين بتعزيز تضامنهم ووحدتهم الوطنية للعمل معاً، بجميع الوسائل السياسية والدبلوماسية والعسكرية المتاحة، لتحويل الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة من دولة بالقوة إلى دولة بالفعل، وفق مفهوم أرسطو للدولة.

 

Email