تحدي الصوت

ت + ت - الحجم الطبيعي

التقييم للمخاطر على الصحة والسلامة، هو فحص متمعن لبيئة العمل لتقييم المسببات المحتملة التي قد تسبب المخاطر للأفراد. وينبغي لهذا التقييم أن يدرس كافة المخاطر (الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية والاجتماعية والنفسية)، ثم يقوم بتقييم مستوى الخطورة (الاحتمال، كبيراً كان أم صغيراً، لأن يتعرض أحدهم للأذى بفعل الخطر). ويختلف التقييم باختلاف مسبب الخطر، ففي بعض الأحيان يتم أخذ العينات الكيميائية وتحليلها ومقارنتها بالمواصفات القياسية، وفي أخرى يتم وضع مجسات لتحديد مستوى ارتفاع الصوت أو معدل درجة الحرارة في بيئة العمل. وأيضاً يتم تقييم وسائل التحكم المختلفة الموجودة، ومدى فاعليتها في منع مصدر الخطر من إحداث الضرر الصحي.

وعلى ضوء ذلك، يتم اتباع نظام هرم السيطرة للتحكم والسيطرة على المخاطر. وتكون البداية بمحاولة إزالة مصدر الخطر، وإن لم يمكن ذلك، يتم التعويض بمصدر أقل خطورة. فمثلاً، إذا كان الصوت النابع من مصدر ما يؤدي إلى فقدان السمع للعاملين بجانبه، كالعاملين في المجال الجوي، أو في مجال الإنشاءات، فيجب حمايتهم من الصمم والآثار الصحية الأخرى، باستبدال مصدر الصوت العالي بآخر أقل حدة.

ولتقريب الصورة، سأتناول الضوضاء في بيئة العمل كأحد مصادر الخطر، وآثارها الصحية والاجتماعية والنفسية، وبعض السبل للسيطرة عليها.

تعتبر الضوضاء أو الضجيج من المخاطر الفيزيائية المهمة في بيئة العمل، أو خارج بيئة العمل، وتزداد مشاكل الضوضاء الصحية والنفسية في المناطق المزدحمة بالسكان والطرق السريعة والمطارات ومناطق الإنشاء، كالبناء وتنفيذ المشاريع. والضوضاء أو الضجيج هو الإزعاج الناتج عن الصوت، وتختلف قدرة تحمل الصوت العالي من شخص لآخر.

وتنجم خطورة الضجيج من أن الآثار الصحية المدمرة له قد تبقى كامنة لسنوات، وفي البداية قد يؤدي إلى فقدان سمع مؤقت، لكن مع استمرار التعرض لمستويات عالية، يؤدي إلى الفقدان الدائم. وفي بيئة العمل، يؤدي التعرض المستمر للضجيج إلى زيادة ضربات القلب، وزيادة ضغط الدم والصداع، بالإضافة إلى انخفاض القدرة على أداء الأعمال على الأجهزة والانتباه إلى إشارات الإنذار الصوتية. وإذا لم يتخذ رب العمل التدابير اللازمة للسيطرة على تعرض العاملين لمستويات عالية، فسيؤدي ذلك إلى زيادة الغياب، وانخفاض الإنتاجية، بسبب قلة التركيز وزيادة تكاليف الإنتاج.

أما سبل السيطرة على الضجيج في بيئة العمل، فتشمل إعطاء فترات راحة مناسبة للعاملين بعيداً عن الضجيج، وعمل الصيانة الدورية للمعدات والآلات المستخدمة لتقليل الضجيج المنبعث منها، وتناوب الموظفين والعمال في موقع الضجيج لتقليل فترة تعرضهم له، وعمل عوازل للآلات التي تسبب الضجيج، واستعمال معدات الوقاية الشخصية، مثل السماعات الواقية، وتجهيز مكان الاستراحة أو المطعم في موقع بعيد عن مصدر الضجيج.

وفي هذا السياق، وبالنظر إلى مخاطر الضجيج، أود أن ألفت الانتباه إلى أحد مصادر الضجيج الحديثة التي تستخدم في بعض بيئات العمل، بالإضافة إلى استخدامها الرئيس للترفيه، ألا وهي مشغلات الملفات الصوتية الرقمية (mp3). فقد بينت دراسات حديثة أن الاستخدام المستمر لها باستخدام سماعات الأذن وبرفع الصوت، يؤدي إلى فقدان حاسة السمع. فعند الاستخدام المؤقت يؤدي إلى إتلاف مؤقت لشعيرات الخلايا الحساسة في قوقعة الأذن، وهي المنطقة المسؤولة عن نقل الذبذبات الصوتية إلى المخ.

ولكن مع تكرار التعرض لفترات طويلة وبأصوات عالية، يؤدي إلى فقدان نهائي لهذه الشعيرات والصمم النهائي. فلذلك، ينصح لمستخدمي هذه الأجهزة بعدم رفع الصوت لأقصى درجة، وإبقائه في مستوى يسمح للمستخدم بسماع الآخرين، وتجنب استخدام السماعات التي يتم إدخالها في الأذن، فهي تزيد شدة الصوت بنسبة 25 %.

إذن، فتقييم المخاطر والسيطرة عليها يؤديان لخلق بيئة عمل صحية، وضمان وقاية العاملين من الأمراض المترتبة على ذلك.

 

Email