فلسطين: التصويت بداية العد العكسي

ت + ت - الحجم الطبيعي


على الرغم من سيل الوعيد والتهديد الموجه ضد الفلسطينيين لإثنائهم عن التحرك نحو استعادة حقوقهم وإعلان قيام دولتهم الفلسطينية المستقلة، ها هو الصمود الفلسطيني يثبت مجددًا أنه قادر على اجتراح المعجزات، واسترداد ما سلب. فمن داخل الأمم المتحدة صاحبة قرار التقسيم التاريخي، حصل الفلسطينيون أمس على 138 صوتًا مؤيدًا لحصول دولة فلسطين وضع مراقب غير عضو في المنظمة الدولية مقابل 9 أصوات رافضة و41 صوتًا ممتنعًا.


لقد أصر الفلسطينيون قيادةً وشعبًا ومقاومةً في ذكرى يوم تقسيم وطنهم المسلوب بالقرار الأممي رقم 181 عام 1947م، على تذكير العالم بالحق الفلسطيني الذي يقع عاتق الأمم المتحدة والقوى الدولية التي لا تزال تصر على التخندق في الخندق الموالي والمناصر لأبشع احتلال عرفه التاريخ البشري، وآخر احتلال يجثم على صدر شعب منذ ما يزيد على أربعة وستين عامًا، احتلال صهيوني غاشم سرق الأرض وقتل من شعبها ما قتل، وهجَّرَ منهم ما هجَّرَ ولا يزال، ويعمل جاحدًا مسنودًا بالقوى الدولية التي تتشدق بالديمقراطية والحرية وحفظ حقوق الإنسان، على طمس قضية شعب ذي جذور راسخة على امتداد التاريخ، شعب أصيل متأصل في أرضه، وليس شعبًا طارئًا أو جلب من بقاع العالم، أو قطعانًا تم تجميعها في شتات أوروبا وأميركا وغيرهما، ليس حبًّا فيها وإنما كرهًا وبغضًا وتخلصًا من سلوكها غير السوي والمخالف للفطرة الإنسانية.


إن الشعب الفلسطيني بإصراره على رفع صوته، وإصراره على ضرورة سماع هذا العالم الذي يدعي الحرية لصوت الحق الآتي من الضفة المحتلة وغزة المحاصرة، إنما يؤسس لمرحلة جديدة من النضال، تبدأ من حيث بدأ إقرار تقسيم وطنه فلسطين، وبدء الاحتلال الصهيوني العد التنازلي لتصفية فلسطين التاريخية، واضعًا (أي الشعب الفلسطيني) هذا العالم "الحر" بين أمرين: بأن يثبت حريته وأنه نصير الحرية وداعم لطالبيها، وفق ما تكفله المبادئ والقيم والشرائع السماوية والقوانين الدولية، أو أن يثبت عكس ذلك، وأنه ظهير للاحتلال وللظلم والفساد والعبودية وسلب الحقوق والحريات.


إن هذه المرحلة الجديدة التي أسسها الفلسطينيون اليوم من عمر نضالهم المستمر منذ ما يزيد على أربعة وستين عامًا، يردون بها على نعيق البوم ذات التشاؤم المخزي، وعلى المثبطين والمحبطين، ويردون بها على أصوات النفاق والانحياز الأعمى للاحتلال الصهيوني والظلم والفساد والإرهاب الصهيوني في مواجهة الحرية والعدل وعودة الحقوق المغتصبة، بأن الطريق إلى فلسطين يبدأ من المكان الذي صدر منه القرار 181، وينتهي فيه، ولا يمر عبر رام الله والقدس المحتلتين، ومن يتذرع بذرائع الحوار والمفاوضات التي ثبت أنها ذات حمل كاذب، ومماطلة ومضيعة للوقت بهدف إحداث التغيير الجغرافي والديمغرافي المطلوب على الأرض، فإنه يصر على استمرار الاحتلال والظلم والعدوان، بل كان يفترض بالرافضين والممتنعين إذا كانوا صادقين أن يعتبروا المفاوضات مكملة للخطوة الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة.


وعلى الرغم من انتصار الشعب الفلسطيني لقضيته لا يزال كيان الاحتلال الصهيوني يرفع أبواق الباطل بأن الوضع الفلسطيني الجديد بالحصول على مراقب غير عضو، لن يغير من الواقع شيئًا، فهو إعلان لاستمرار سياسة الاحتلال واغتصاب الحقوق والتنكر لها، يجب أن يقوي موقف الموافقين على التصويت على منح فلسطين وضع مراقب غير عضو، وهو إعلان يفضح في الوقت نفسه موقف الرافضين والممتنعين عن التصويت.


إن هذا الاعتراف يضع جميع الشعب الفلسطيني بسلطته وبفصائله وبأطيافه كافة، وجميع العرب أمام مسؤولياتهم نحو لمِّ الشمل وتوحيد الموقف والكلمة لبدء العد العكسي ومواصلة المسير نحو العضوية الكاملة لدولة فلسطين ونيل استقلالها وعاصمتها القدس.
 

Email