هل نحن حقاً إماراتيون؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أسبوع واحد سوف تحتفل الدولة بمرور 41 عاماً على تأسيسها.

بالنسبة لنا فإن الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية أصبح واجبا وطنيا بالدرجة الأولى، تحدى فيها الشعب الإماراتي كل من راهن على فشل هذه التجربة الفريدة في نوعها على مستوى الوطن العربي. 41 عاماً من الاستمرارية والتكامل والتضحية.

ولكن قبل أن ندخل في نشوة الفرح والاحتفالات وإطلاق الألعاب النارية والمشاركة في المسيرات الشعبية وغيرها، علينا أن نراجع أنفسنا ولو لساعة من الزمن.

إن مجرد حمل الجنسية والهوية والجواز الإماراتي لا يعني بالضرورة أن نصبح إماراتيين. وفي كثير من الأحيان تأخذ هذه الوثائق صفة التأشيرات الممنوحة للأجانب. وبالتالي لا تختلف هذه الوثائق الرسمية عن أي تأشيرة أخرى صادرة من قبل إدارات الهجرة في الدولة.

إن مسألة المواطنة تحمل مسؤولية والتزاماً وتضحية وصبراً.

اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة لم ينشأ من فراغ، وكان خلف كل إمارة من الإمارات السبع قبل قيام الاتحاد تاريخ طويل من الكفاح والألم والشقاء، وخلف كل إنسان رواية. وكان هناك دائما الإيمان بالانتماء للأرض والتضحيات الطويلة. حيث لم تكن هذه الأرض اليباب سوى صحراء قاحلة تفتقر لأدنى مقومات الحياة الطبيعية.

حيث لا ماء ولا نبات وقليل من ثروات البحر المالح والجو القاسي. ومع ذلك، قدم أهالي هذه المنطقة كل التضحيات الممكنة وغير الممكنة لتحمل وتحدي شظف العيش فيها. وكان بإمكانهم هجرها والرحيل عنها والعيش في مناطق أخرى مزدهرة بشكل أكبر، وهذا ما حصل في الواقع مع بعض الأسر التي حملت أمتعتها وأهليها وهاجرت إلى بلدان قريبة أو بعيدة أكثر رخاء لتعينهم على استمرار العيش.

غير أن البقية الباقية وهم الأكثرية منهم ظلوا متمسكين بأرضهم التي ولدوا عليها غير ناقمين وغير متذمرين. ذلك لأنهم (أحبوا) أرضهم وترابها ورمالها، بل أحبوا حتى خشونة الحياة فيها. لذا عندما يتذكر كبار السن ممن عايشوا فترات ما قبل النفط، فإنهم يتذكرونها بحسرة وألم ونشوة.

إنها حسرة على زمن جميل ولى، وألم لأنه الماضي الذي شكل تاريخهم وملامحهم، ونشوة، لأنهم انتصروا في النهاية بالتضحية، ونحن - أبناء هؤلاء الآباء الذين قضوا نحبهم أو ينتظرون - من قطف ثمار تضحياتهم ثم ولينا الأدبار!

أخبرني والدي، رحمة الله عليه، بأنهم مروا في ظروف معيشية سيئة، إلى درجة أن أهالي المنطقة كانوا لا يجدون طعام يومهم، ومنهم من كان يخيط ثياباً لأبنائه من نسيج مظلات الباراشوت البريطانية الممزقة! ومنهم من كان يقنع بتذوق ما لصق من حلاوة في حبات نوى التمور! يا إلهي! كيف أمسينا وكيف أصبحنا!

إن حمل جواز سفر اتحاد دولة الإمارات وهويتها وجنسيتها يحتم على حاملها لزاماً التضحية لأجلها. ويحتم علينا الدفاع عنها حتى الموت. ويحتم علينا العمل على بقائها واستمراريتها أياً كانت الظروف لأجل سعادة أجيالنا القادمة كما ضحى أجدادنا بسعادتهم لأجل ما وصلنا إليه. إن الانتماء إلى هذه الدولة يعني أن نخلص لها حتى الرمق الأخير. فمجرد امتلاك وريقات من الجنسية لا يعني أنني أصبحت إماراتياً صالحاً.

ومما يؤسف له، أننا أصبحنا نسمع ونقرأ ونرى بين الحين والآخر عن أشباه مواطنين ممن رموا تاريخ هذه المنطقة وماضيها خلف ظهورهم فتحولوا إلى مرتزقة ومفسدين في بلدهم وناهبين لخيراته، ضاربين بعرض الحائط كل القيم التي أسست عليها هذه الدولة.

ومنهم من أخذته العزة بالإثم وذهب لأبعد من ذلك، حتى أوصلوا الخطر بطريق الفوضى إلى أبواب هذه الدولة الآمنة التي لم تترك شبراً من الأرض إلا وأقامت عليه بناء أو غرست فيه شجرة أو شقت به طريقاً وفتحت أبوابها مشرعة لكل من جاء للاحتماء بها هرباً من جور حاكمه أو للترزق من خيرات أرضها، ولم تفرق بين دين وآخر ومذهب وآخر وطائفة وأخرى، حتى أصبحت رمزاً للمساواة والسلام.

علينا نحن أبناء هذا البلد الطيب، أن نتعلم كيف نصبح إماراتيين بحق وبصدق، وليس لأننا حصلنا على جنسية هذه الدولة إما بالتجنيس أو بالوراثة.

 

Email