جين بينغ وميراث الفوضى في الصين

ت + ت - الحجم الطبيعي

تراجعت مبيعات الساعات السويسرية إلى الصين بنسبة 30% في الأشهر الأخيرة، وتتجه مبيعات المجوهرات إلى الهبوط أيضا، لذلك يمكن أن يكون هناك شك محدود في أن هذا البلد يعاني ورطة كبيرة.

وفيما كانت الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية تدخل فصلها الأخير غير المشرف، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما ومنافسه ميت رومني انغمسا على حد سواء في محاولة لإظهار كيف أنهما سيتعاملان بقسوة مع الصين، الأمر الذي أثار غضب بكين. في الوقت نفسه، يركز أوباما الجيش في اتجاه آسيا، بعيداً عن الشرق الأوسط، في قلق واضح من الصين.

ولكن عندما ننظر إلى ما يحدث في الواقع هناك، علينا أن نبدأ في التساؤل: هل ينبغي للولايات المتحدة أن تكون قلقة للغاية حقا؟

الوضع في البلاد خطير، فقد واصل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين التباطؤ بشكل ربع سنوي منذ أواخر 2010، وهذه مشكلة واحدة فقط وسط عدد لا يحصى من المشكلات. وفي الواقع، فإن اختيار شي جين بينغ ليكون رئيساً جديداً للصين، يجعله يرث وضعاً أسوأ بكثير مما كان عليه أوباما عندما أصبح رئيسا قبل أربع سنوات تقريبا.

والطريقة التي سوف يتبعها جين بينغ، هي أمر سيكون له تأثير كبير أيضاً على الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، تقول شركة "كامينز"، وهي كبرى شركات صناعة المحركات الأميركية، إنها لا بد أن تقوم بتسريح ما يصل إلى 1500 شخص بحلول نهاية العام الجاري، بسبب ضعف الطلب من الصين التي ترتد مشكلاتها عبر الاقتصاد الأميركي.

لكن المتاعب التي تواجهها الصين في الداخل تتسم بأنها أكثر صعوبة، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. ومع اقتراب انتهاء المرحلة الانتقالية للحكومة، يبدو أن هذه المتاعب تصل إلى ذروتها. بعض الأمثلة البارزة على ذلك، تدفق الأموال خارج البلاد بمعدل ينذر بالخطر، فلم تعد للأغنياء الصينيين أي ثقة في بلادهم.

بالطبع، الصين لا تعلن أية أرقام، لكن تقديرات موثوق بها من الصحافيين والاقتصاديين تم نشرها في أكتوبر الماضي، تضع الرقم بين 225 و300 مليار دولار خلال العام الماضي، أي ما بين 3% و4% من ناتج الاقتصاد الصيني لهذه الفترة، وحدث ذلك رغم تجريم إخراج مبالغ كبيرة من البلاد قانوناً. وتنمو عملية التدفق بشكل أكبر كل عام، تماماً مثل استمرار الناتج المحلي الإجمالي في الانخفاض، وليس من قبيل الصدفة.

وفي الوقت نفسه، يخوض الشعب الصيني ثورة مفتوحة على الفساد وسوء جودة المنتج، والاستيلاء على الأراضي والاعتداء على البيئة وأكثر من ذلك بكثير، حيث يصل عدد الاحتجاجات إلى حوالي 500 مظاهرة عامة في كل يوم.

وانطلاقا مما يقولونه على رسائل موقع "وايبو"، وهو موقع للتواصل الاجتماعي في الصين، يبدو أن الصينيين أشد غضباً من الفساد المستشري في البلاد.

لذلك حتى وقت قريب، عندما أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى العائلة الممتدة لرئيس مجلس الدولة الصيني وين جياباو، وهي معلمو المدارس ومربو الخنازير في المقام الأول، لسبب غير مفهوم كانت تصل ثروتها إلى 2.7 مليار دولار، قامت الرقابة الحكومية على الفور بمنع الدخول إلى موقع الصحيفة على شبكة الإنترنت.

الوضع يزداد سوءاً لدرجة أن مؤسسة "الاستراتيجية والإصلاح"، وهي واحدة من مؤسسات الفكر الصينية، حذرت علنا من أن "الصين تواجه قفزة محفوفة بالمخاطر، وهي قفزة لا يمكن أن تختبئ منها ولا أن تتجنبها.

هناك أزمة محتملة في نموذج الصين للنمو الاقتصادي". وقال وو جينغ ليان، وهو كاتب اقتصادي بارز في مجلة "تساي جينغ": "يبدو أن تناقضات الصين الاقتصادية والاجتماعية تقترب من الهاوية".

يعرف جين بينغ كل هذا، وكبار الشخصيات من حوله يحضونه على الإصلاحات، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الصينية والغربية. وفي الواقع، فقد أرسل للتو فريق من المسؤولين إلى سنغافورة، فهم ينظرون إلى تلك الدولة المدينة كنموذج ممكن. وسنغافورة دولة استبدادية على نحو عميق، ولكنها تنعم بالازدهار وتسمح بإجراء انتخابات حرة في المناصب الثانوية. ومع ذلك، فإن الكثير من الحريات الاجتماعية، مثل حرية الصحافة والتجمع، مقيدة.

يتفق معظم المحللين الصينيين على أن المشكلات المالية للصين ينبغي أن تكون الأكثر إثارة لقلق الحكومة، إلا أنه على مدى عقود تعايش الصينيون مع اتفاق معروف ولكنه غير معلن، وهو أن الشعب يقبل قيادة استبدادية ما دامت الحكومة تجعل من الممكن لهم أن يزدادوا ازدهارا. في الواقع، فإن فاحشي الثراء، بمن في ذلك العديد من المسؤولين الحكوميين، لا يزالون يتمتعون بوضع جيد. مبيعات اليخوت والألماس ترتفع، ولكن مبيعات السلع الفاخرة الأقل تكلفة ليست كذلك.

والسؤال هو، حتى لو كان جين بينغ يريد الإصلاح، فهل بوسعه تحقيقه؟ العديد من المسؤولين الحكوميين يزدادون ثراء في ظل النظام الحالي، ألن يقاوموا التغيير الكبير؟ على الرغم من ذلك، فقد حقق الـ70 عضوا في الهيئة التشريعية الصينية، المزيد من الثروة المتراكمة في العام الماضي، أكثر من القيمة الصافية المجمعة لجميع الأعضاء الـ535 في الكونغرس الأميركي والرئيس وحكومته. كل هذا مشكلة رهيبة تلوح في الأفق بالنسبة لزعيم الصين الجديد، فكيف يمكن أن تكون واشنطن قلقة حقا؟

 

Email