العرب وإصبع سبابة تمثال الحرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

"لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها". هذا ما صرح به الرئيس الأميركي المعاد انتخابه باراك أوباما بعد جحيم الغارات الإسرائيلية التي خلفت عشرات الضحايا من الأطفال وكبار السن والنساء في غزة. والقادم أسوأ.

وعندما تحدد الولايات المتحدة من له الحق ومن ليس له الحق، فهذا يعني أنه يتوجب على الآخرين الرضوخ والصمت والإيمان بما ينطق به أي مسؤول أميركي حتى ولو لم يكن ذا شأن.

كلمة (حق) وكلمة (عدالة) وكلمة (موضوعية) وكلمة (نزاهة)، فرغت من معانيها منذ زمن الطوفان. ولم يعد من بشر على كوكب الأرض يصدق هذه الكلمات الفارغة. لأن الجميع اكتشف مدى زيف تلك المصطلحات في لغة السياسة والدبلوماسية ومصالح الدول الكبرى.

وحيث إن من يقرر اليوم حياة ومصير 7 مليارات من البشر هم خمسة فقط من رؤساء الدول، فليس أمامنا سوى خيارين مرين: إما الرضوخ والسلامة تطبيقا لمقولة (سلم تسلم)، أو الرفض وبالتالي مواجهة المجتمع الدولي بشتى أساليب الضغوط حتى نرضخ، تطبيقا للشعار العربي الشهير منذ هزيمة 67 (بالروح بالدم نفديك يا.......).

هناك منظمة الأمم المتحدة. ولكنها مؤسسة بائسة مغلوبة على أمرها كشفتها الأحداث وآخرها قبل يومين عندما استخدمت الولايات المتحدة الأميركية حق الفيتو (ويطلق عليه البعض تندرا حق الفيمتو!) لمجرد إدانة الأعمال الإرهابية ضد شعب يموت كل يوم وممنوع حتى من شرب الماء.

هذه المنظمة الكونية أصبحت تشبه شركة تضامن فاشلة تديرها مجموعة من الدول أعطت لنفسها الحق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في إحكام القبضة على مصير العالم بما يضمن مصالحها بيد غير عادلة مناقضة تماما لرمز تمثال الحرية الذي أهدته فرنسا لأميركا.

ولا يمكن لأي شعب أن يصل صوته للعالم أو يحصل على ربع حقه في الحياة حتى ولو كان على حق تام إن لم يرض عنه أحد من هؤلاء الخمسة الكبار. مجرد استخدام (حق الفيتو) يمكن أن يجرد شعبا بأكمله من حقوقه ويلغي كامل إنسانيته التي منحها له الله الذي تؤمن به كافة الكتب السماوية، رغم أن واحدة من أهم مبادئ وأهداف إنشاء منظمة الأمم المتحدة هو تطبيق (حقوق الإنسان والسلام في العالم). فمثلا، يكفي أن تكون حليفا لفرنسا حتى تحقق مطالبك. ويكفي أن تكون عدوا للصين حتى تظل تنبح للصباح دون أن يسمعك أحد. وهكذا.

وما على السبعة مليارات من سكان الأرض سوى النظر إلى (أصبع السبابة) لواحدة من تلك الدول الخمس في مجلس الأمن حتى تنتهي أحلامك وتموت في غصة. تخيلوا أن أصبع سبابة رجل أو امرأة يقرر تاريخ شعب كالشعب الفلسطيني!

ليس في الحصول على حق الحياة كحق أي إسرائيلي أو فرنسي أو أميركي في الحياة وإنما لمجرد إدانة أعمال إجرامية لا أكثر. لأن العرب لم يعودوا يطالبون بكرامة الفلسطيني ولا بإعادة أراضيه التي أزيلت من على الخارطة ولا بإيقاف الاستيطان المستمر ليل نهار، ولا بالماء ولا بالغذاء الممنوع عنه، وإنما بمجرد (إدانة) صغيرة فارغة من المعنى.. ومع ذلك، لم ولن يحصلوا عليها.

فرنسا وبريطانيا تقودهما الولايات المتحدة الأميركية تطالب في كل مناسبة إدانة أعمال العنف في سوريا والتدخل عسكريا لإطاحة النظام فيها، وتمد المعارضة بكل أنواع السلاح وتضغط على روسيا والصين للوقوف معهم في مجلس الأمن، رغم أن العنف الحقيقي التاريخي المتأصل ليس في سوريا ولكن على بعد أمتار منها: في إسرائيل. وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: "وعين الرضى عن كل عيب كليلةٍ / ولكن عين السخط تبدي المساويا".

من (حق) الإسرائيلي إذن، كقاتل أن يدافع عن نفسه حتى ولو أحرق غزة والعرب معهم، وليس للفلسطيني كمقتول أي (حق) في الرد. هذا بنظر السياسة الأميركية العادلة.

ترى هل قرأ الرئيس باراك أوباما تاريخ الفلسطينيين حتى يقرر حقوقهم؟ أم نسي وهو على أرائك البيت الأبيض تاريخ أجداده الزنوج الذين سيقوا مكبلين بالسلاسل من قارة أفريقيا؟

إن قضية (الحق) هي قضية لا تخص الفلسطينيين وحقوقهم فحسب، بل حقوق العرب والمسلمين وشعوب العالم أجمع دون تمييز.

 

Email