الإعصار ساندي وتعاون الأميركيين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما تم خفض درجة الإعصار "ساندي" من الفئة 2 بعد أن اجتاح منطقة البحر الكاريبي، ولكن من المؤكد أنه لم يبد كذلك. الأمر الذي لا لبس فيه، رغم ذلك، هو مدى السرعة التي خفض بها ساندي انتخابات الرئاسة الأميركية. فما كان إعصارا من الفئة الخامسة، تحول بشكل مفاجئ إلى اضطراب استوائي فحسب. وفي الوقت الذي تحرك ساندي منتقلاً إلى الأراضي الأميركية، تحركت الانتخابات حرفيا تقريبا من على الخريطة، في الوقت الذي ألغى كلا المرشحين ظهورهما.

ولكن ساندي لم يقصِ حملة الانتخابات من الصفحات الأولى فحسب، بل حول مسارها أيضاً. ففي لحظة الاستقطاب الشديد، جمعتنا أمنا الطبيعة معاً. وفجأة، انهارت الجدران المصطنعة التي شيدتها عمليتنا السياسية لفصلنا في مجموعات ديمغرافية محدودة قليلا، لتجعلنا نعتقد أننا ليست لدينا مصالح مشتركة.

لقد جلب الإعصار ساندي النزعة الحزبية الحقيقية التي اكتفى قادتنا بالحديث عنها فحسب، وفجأة وفي حملة كانت أكبر قضية فيها معروفة على نطاق واسع، هي دور الحكومة، لم يقل أحد: لماذا تشارك الحكومة؟ الحكام في الولايات المتضررة لا يطلبون المساعدة من "أرباب العمل"، وإنما هم يطلبونها من الحكومة الفيدرالية. ولم تكن الحكومة الفيدرالية فحسب، وإنما حكومات الولايات والحكومات المحلية التي كانت تستجيب لحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم.

بعد ذلك كانت هناك تحذيرات تذكرنا بأن الحكومة نشرت أشخاصاً حقيقيين أحدثوا فارق حياة وموت، وأن مسؤولياتنا تنطلق في كلا الاتجاهين. وقال عمدة مدينة نيويورك مايكل بلومبرغ: "لو لم تقم بالإجلاء، فإنك لا تعرض حياتك للخطر فحسب، وإنما تعرض حياة أول المستجيبين الذين يذهبون لإنقاذك".

لم يعد بإمكاننا استدعاء نزعة الحزبين اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية في أميركا، أو حتى إصلاح ما لدينا بشكل كافٍ، ولكن على الأقل يمكننا التلاحم من أجل حمايتها من الأسوأ، إذا أجبرنا على ذلك بكارثة مثل إعصار ساندي. ولكن لماذا لا يكون لدينا هذا التجاوب نفسه في أوقات أخرى غير أوقات الكوارث الطبيعية؟

في شهر فبراير من العام الماضي فقط، تقدم الجمهوريون بمشروع قانون لخفض 1.2 مليار دولار من الميزانية المقترحة للرئيس أوباما لبرنامجي "ناشيونال أوشانيك" و"أتموسفيريك أدمنيستريشن"، اللذين يشغلان الأقمار الصناعية التي تسمح لنا بتعقب الأعاصير مثل ساندي، وإعطاء تحذيرات دقيقة في الوقت المناسب.

وفي نقاش خلال الانتخابات التمهيدية، سئل المرشح الجمهوري ميت رومني عما إذا كان ينبغي إغلاق الوكالة الأميركية الفيدرالية لإدارة الطوارئ ومنح مسؤولية إدارة الكارثة للولايات، فكان رده: "بالتأكيد. في كل مرة تسنح لك فرصة أخذ شيء من الحكومة الفيدرالية وإرساله مرة أخرى إلى الولايات، فهذا هو الاتجاه الصحيح.

وإذا كان باستطاعتك أن تمضي إلى أبعد من ذلك، وإرساله مرة أخرى إلى القطاع الخاص، فإن هذا أفضل. وبدلاً من التفكير في الميزانية الفيدرالية التي يجب علينا خفضها، ينبغي أن نطرح هذا السؤال المعاكس: ما الذي ينبغي أن نبقي عليه؟". سأله مدير الحوار جون كينغ: "هل يشمل هذا الإغاثة في حالات الكوارث؟".

 أجاب رومني: "نحن لا نستطيع، نحن لا نستطيع أن نفعل هذه الأشياء دون المساس بمستقبل أطفالنا. فإنه لأمر غير أخلاقي، في رأيي، أن نستمر في تكديس الديون أكبر وأكبر ونورثها لأطفالنا، مع العلم جيداً بأننا سوف نموت جميعاً قبل أن نسدد هذه الديون. فليس هذا منطقيا على الإطلاق".

ردت حملة رومني، مؤخراً، بالقول إن رومني يريد "أن يؤمّن الولايات... وأن تكون لديها الموارد والمساعدة التي تحتاجها للتعامل مع الكوارث الطبيعية". ربما يعيد الإعصار ساندي مبدأ "ارسم مسودة" (فالأمر لا يستغرق الكثير لكي تحدث عاصفة ذلك، على كل حال).

ولكن في الوقت الراهن، فإن لدينا زمنا توافقيا بين الحزبين، فُرض علينا بفعل شيء أكبر منا حقاً، وهو أن الحكومة مفيدة. وهو أمر سيئ للغاية، لأننا في حاجة ماسة إلى التعاون بين الحزبين والجهد الجماعي، ليس فقط لإعادة بناء بنيتنا التحتية وحل مشكلات مثل أزمة الوظائف، ولكن لمعالجة الأسباب الجذرية لما يجعل مثل هذه العواصف قوية على نحو متزايد وشائعة على نحو متزايد.

لكن موسم الانتخابات بلغ خط النهاية دون أي نقاش جدي حول تغير المناخ. وقال مايك تيدول، وهو مدير شبكة "تشيسابيك" للعمل من أجل تغير المناخ في ميريلاند ومؤلف كتاب عن تغير المناخ في عام 2006 بعنوان "المد الجائح": "تكمن المفارقة في أن مرشحي الرئاسة قررا عدم الحديث عن تغير المناخ. إن هذا هو ما يحدث هنا حقاً، والآن يتحدث المناخ إليهم، وإلى الجميع أيضاً".

الجهد الجماعي، المتمثل في روح "كلنا في قارب واحد"، كان أمراً عظيماً. إننا نعلم أن هذه الروح موجودة، حتى لو كنا لم نرها كثيرا في الأسابيع التي سبقت هذه الكارثة. ولكن لا يجب أن تحدث كارثة طبيعية لحملنا على الاستفادة من إنسانيتنا الطبيعية. دعونا نأمل أن تستمر هذه الروح، حتى بعد رحيل ساندي.

 

Email