لا أريد التحدث عن السكري..

ت + ت - الحجم الطبيعي

يصادف الرابع عشر من نوفمبر في كل عام اليوم العالمي للسكري حيث تحيي دول العالم اليوم المذكور بمسيرات وفعاليات مختلفة للتوعية بمخاطر المرض وسبل الوقاية والكشف المبكر والتحكم به...

لكن هناك تناقضا بين عنوان المقال والمقدمة، للوهلة الأولى نعم لكنني قصدت هذا، نعم لا أريد التحدث عن السكري ولا أذكر عوامل الخطورة وعواقب المرض الجسدية والنفسية والإجتماعية والمادية ووو.

عادة الحديث يكون عن موضوع مستجد أو غير مفهوم أو طارئ لكن السكري طاف كل المراحل وأصبح الرفيق اليومي للكثير منا فلماذا نهتم به ونخصص مساحات ومقالات عنه ؟

قلة الحركة والجلوس وعدم حرق سعرات حرارية يومية أصبحت عادة متأصلة فلماذا التحذير منها كعامل خطر للسكري؟

مالذ وطاب من الأكل الدسم والوجبات السريعة دخلت في قائمة طعامنا اليومية فلماذ الحديث عنه وترهيب الناس منه؟

التدخين بشتى أنواعه وبالذات الشيشة والمدواخ رمز الوجاهة والرجولة وعند الكثير الصديق اليومي فلماذا هذه الكراهية والمنع؟

السكري وبدون سابق إنذار دخل بيوتنا وبمباركتنا له حجز أفضل الغرف وأحلى الأطعمة وأوثر الكراسي فلماذا التذكير به؟ أليس من الصفات الحميدة إكرام الضيف وعدم الذم به؟!

لقد وصل بنا الكرم لدرجة إعطاء الغالي والنفيس لهذا الضيف. فالبعض تبرع بكليته لكي تكون مقر الضيف والاخر بعينيه وآثر ان لايرى في سبيل مرضاة الرفيق اليومي, اما البعض فقد وصل به حد السخاء بالتضحية بقلبه للسكري.

لكن ليس من اللائق عدم ذكر جزيئة السكر المظلومة والتي نتيجة لأفعالنا وكرمنا الحاتمي تجد نفسها مع أقرانها لاحول لها ولا قوة، ما الذي يحدث لها؟

خلايا الجسم مثل السيارات تحتاج للبترول لكي تعمل، وجزيئات السكر هي بترول الخلايا وبالخصوص خلايا الدماغ حيث تستهلك كميات كبيرة من جزيئات السكر لكي تعمل بفعالية, لكن كيف يصل السكر للخلايا ويدخلها؟ عندما نأكل، يدخل السكر (الموجود في النشويات وغيره) الى الجهاز الهضمي وبعد مراحل عديدة يصل الى مجرى الدم ومن هنا تبدأ حركة السكر في مدار الجسم.

تصل جزيئات السكر النشيطة لخلايا الجسم لكن تجد أبواب الخلايا مقفلة فلا تستطيع الدخول. إذن أين المفتاح وعند من؟ هرمون الانسولين هو المفتاح السحري ويكون في المخزن (غدة البنكرياس). ينطلق الانسولين بسرعة ويفتح أبواب الخلايا المقفلة فيدخل السكر بعد طول انتظار وتبدأ الخلايا في العمل.

في النوع الأول من السكري تتوقف غدة البنكرياس من انتاج الأنسولين (مفتاح الخلايا) لسبب غير معروف ومعظم النظريات الحاليه ترجح حدوث هجوم فيروسي على الغدة ولأسباب غير معروفة، وعادة يصيب هذا النوع من السكري الأطفال والمراهقين ولايستثني الكبار في بعض الحالات. لهذا السبب تعطى إبر الانسولين مدى الحياة للمصابين بالنوع الأول.

في النوع الثاني من السكري (وهو المنتشر بكثرة عندنا) هناك آليتان رئيسيتان لحدوث المرض. في الآلية الأولى تفرز غدة البنكرياس كميات قليلة من مفتاح الأنسولين فبالتالي تدخل مجموعات قليلة من السكر لخلايا الجسم. وأيضا سبب قلة الإفراز غير معروف.

أما في الآلية الثانية (وهي بيت القصيد) لا تفتح الخلايا أبوابها لجزيئات السكر بالرغم من وجود عدد كاف من مفاتيح الأنسولين. لكن لماذا تمتنع الخلايا؟ معظم الدراسات أجمعت وجود علاقة بين زيادة الوزن ورفض الخلايا فتح الأبواب للسكر. فتبقى الجزيئات وحيدة وتبحث عن ملجأ لإيوائها. فتتسابق الأعضاء لذلك وبالأخص الكلية والعين والقلب واطراف الأيدي والأرجل. وتبدأ رحلة معاناة المريض.

صدقوني لا أريد ان اظلم السكري نتيجة لأفعالنا وقراراتنا اليومية وغياب إرادة التغيير، لكن واقع الحال أقوى مني، سامحيني يا جزيئة السكر إن قسوت عليك فلاذنب لك غير وجودك في زمن العولمة والشهرة وهذه هي ضريبة الشهرة.

 

Email