المرأة بين الوظيفة والأمومة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مما لا ينبغي أن يختلف عليه اثنان من أي جنس أو أي ثقافة حضارية أن أعظم مهنة عرفها الإنسان هي مهنة الأمومة. ولكن ماذا لو تضاربت متطلبات ممارسة هذه المهنة العظمى مع متطلبات المهن الأخرى؟

هذه المسألة صارت أخيراً مثار جدل في قسم من الصحافة الغربية تقوده مجلة "الايكونوميست" اللندنية في ضوء حقيقة ماثلة يغض الكثيرون من الغربيين بما في ذلك قيادات فكرية وسياسية الاعتراف حتى بمجرد وجودها.

جوهر المسألة هو المرأة العاملة التي تشغل وظيفة في شركة ما أو مؤسسة حكومية ولديها في الوقت نفسه كأم أطفال من المفترض أن يحظوا برعايتها في مراحل التنشئة المتعاقبة، والسؤال الجوهري هو: هل تستطيع المرأة العاملة الأم أن توفق بين واجباتها في العمل الوظيفي وواجباتها في البيت مع أطفالها بصورة كاملة في كلا الحالتين؟

السيدة آن سلاوتر كانت أول امرأة أميركية تشغل منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية. وفي الأسبوع الماضي أعلنت هذه السيدة على الملأ أنه ليس بوسع النساء أن يجمعن بين وظيفة عليا كهذه مع وظيفة تنشئة أطفال. ومن ثم قدمت السيدة سلاوتر استقالتها من منصبها.

قبل ذلك تقدمت عضو البرلمان البريطاني السيدة لويزا منش باستقالتها قائلة إن من الصعب جداً الجمع بين الوظيفة ورعاية الأسرة.

هاتان قنبلتان تفجرتا في دولتين غربيتين رأسماليتين تعد إحداهما الدولة التي تقود العالم أو تدعي قيادته اقتصادياً وسياسياً وثقافياً. وربما يقال إن السيدتين الأميركية والبريطانية حالتان شاذتان بحكم المنصب الرفيع لكل منهما أي أن هذا النموذج قد لا ينطبق على عموم النساء في دول الغرب. لكن حتى لو صح هذا الزعم فإن ذلك لا ينفي فلسفة النظام الرأسمالي من وراء خلق ظاهرة العمالة النسائية وتشجيعها والتوسع فيها.

فالنظام الرأسمالي ينظر للمرأة ودورها في المجتمع من زاويتين من حيث إن هذا الدور ثنائي. فأولاً: إن المرأة مستهلك إضافي للسلع والخدمات.. وثانياً: إنها في حد ذاتها سلعة.. بل وسلعة قيّمة. ولكي تصير المرأة مستهلكاً فإنه ينبغي أن يكون لها مصدر دخل ثابت.

ولكي يكون لها دخل ثابت فإنه لابد أن يكون لها وظيفة في مكان ما. أما دور المرأة كسلعة فإنه يتجلى أكثر ما يتجلى في صناعة الإعلان وصناعة الأزياء وصناعة الأفلام السينمائية والتلفزيونية وغير ذلك من الصناعات المشروعة وغير المشروعة.

في كل الصناعات يهدف رأس المال إلى التوسع المتصل من أجل تعظيم الربح. وكجزء من عمليات التوسع تشجيع التوظيف النسائي. هنا تبرز مشكلة المرأة الأم التي يثور الجدل حولها في قسم من الإعلام الغربي هذه الأيام. ومما يستخلص من هذا الجدل أن العقبة الأعظم تتمثل في الأطفال الذين بحاجة إلى رعاية منتظمة. تقول "الايكونوميست": مهما بذلت كبرى الشركات في الغرب من جهد تنظيمي فإن الحقيقة التي تبقى ثابتة هي صعوبة الجمع بين مسؤوليات الأسرة وساعات العمل الطويلة في الشركات.

لذا فإن من بين المقترحات التي تطرح خلال الجدل الإعلامي خفض ساعات العمل للنساء. في أغلب الأحوال فإن الوقت الذي تقضيه المرأة الأم في مكان العمل وفي الوصول إليه وفي العودة منه أكثر من الوقت الذي تقضيه في البيت مع أطفالها. ومما يستفاد من سياقات الجدل المحتدم أن المرأة الأم تمضي نحو 12 ساعة يومياً خارج بيتها.

الجدل لا يتعرض للقضية العظمى التي تعلو على كل قضية في هذا المجال وهي تحقير مهنة الأمومة من حيث المبدأ باسم حق المرأة في المساواة بين المرأة والرجل بما يوحي بأن الأمومة ورعاية الأطفال ليست مهنة على الإطلاق مع أنها المهنة الطبيعية الأنبل والأعظم.

ليس معنى هذا دعوة إلى عدم اشتغال المرأة الأم بالعمل الوظيفي. فلتلتحق بوظيفة حسب تخصصها. لكن عليها أن تكون على استعداد لترك الوظيفة إذا ثبت لها أن متطلباتها تتعارض مع متطلبات الأمومة تجاه الأطفال في مرحلة ما.

 

Email