آفاق لحوار شبابي بين العرب واليابان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العام 2011 بدأت سلسلة جديدة من مؤتمرات ثقافية ذات أهداف محددة مسبقا بين اليابان والدول العربية والإسلامية، فارتأت وزارة خارجية اليابان، بالتعاون مع المنظمات الدبلوماسية في بعض الدول العربية والإسلامية، عقد ثلاثة مؤتمرات جديدة تحت عنوان: "حوار حول المستقبل بين اليابان والعالم الإسلامي"، تتناول قضايا راهنة تستشرف آفاقا مستقبلية للعلاقات المشتركة بين الجانبين، وعلى مختلف الصعد.

لبت دولة الامارات العربية المتحدة الدعوة لعقد المؤتمر الأول بجامعة أبو ظبي، في مارس 2011 بمشاركة أكثر من سبعين شخصية من اليابان والدول العربية والإسلامية. كان موضوعها الأساسي:" تنوع البنى الصناعية، وخلق فرص عمل للجيل الجديد". ثم عقد المؤتمر الثاني في الجامعة الأردنية في 29 فبراير والأول من مارس 2012 تحت عنوان: "تطوير قدرات الشباب لبناء مستقبل افضل لهم".

حضره خمسة وعشرون باحثا يابانيا، وعدد من الدبلوماسيين والباحثين القادمين من البحرين، والمملكة العربية السعودية، وماليزيا، وإيران ، وأندونيسيا، ومصر، وتونس، ولبنان، بالإضافة إلى حشد كبير للباحثين والطلاب من الجامعة الأردنية ومن شخصيات ثقافية أردنية.

أتيحت لي الفرصة للمشاركة في مؤتمر عمان، ودعيت لحضور المؤتمر الثالث والأخير ضمن هذه السلسلة، والذي سيعقد بطوكيو في 6 و7 ديسمبر 2012 تحت عنوان:"الارتقاء بالتعاون الاقليمي لبناء تنمية اجتماعية مستدامة" .

تنبهت الجهات المنظمة للسلسلة الجديدة إلى ضرورة تجاوز الأشكال السابقة التي حولت مؤتمرات الحوار إلى حلقة للتعارف تناولت موضوعات عامة تتسم بنوع من الترف الفكري حول أهمية الحوار بين الحضارات دون تنفيذ أي من التوصيات الصادرة عنه .فاستنفدت غايتها بعد أن تكررت في ثمانية مؤتمرات متعاقبة منذ العام 2002.

هكذا فتحت مؤتمرات الحوار السنوي المنتظم بين العرب واليابان آفاقا جديدة لسلسلة جديدة لمناقشة قضايا راهنة خلال ثلاث سنوات .وفي حال نجاحها يمكن الإنتقال إلى ثلاثية أخرى لدراسة التطورات المتسارعة في اليابان والدول العربية والاسلامية . اتخذ الحوار الجديد منحى متمايزا عن مؤتمرات "الحوار بين الحضارات" . فكان لابد من الارتقاء به نحو آفاق مستقبلية تتلاءم مع طبيعة التبدلات المتسارعة ودور الشباب فيها.

وكان لافتا للنظر اختيار حدثين كبيرين هزا العالم العربي واليابان في العام 2011 وتمت مناقشتهما في مؤتمر عمان 2012 .

ركز المؤتمر على زلزال 11 مارس 2011 المدمر في اليابان ، وانتفاضات الربيع العربي في العام نفسه والتي أسقطت أربعة انظمة تسلطية عربية. وما زالت آثار الزلزال والانتفاضات العربية مستمرة حتى الآن.

وبرز نوع من التكامل في الثلاثية الجديدة للحوار بين اليابان مع العالم العربي والإسلامي.

فقد ناقش مؤتمر أبو ظبي مشكلات التصنيع الذي فتح آفاقا جديدة أمام الشباب العربي، وعالج مؤتمر عمان دور الشباب العربي في الانتفاضات الجديدة وآفاقها المستقبلية. وشهد المؤتمر حوارا بالغ الأهمية في جلسته العلمية الأخيرة بين مجموعة من شباب اليابان واخرى من شباب الأردن. فتبادلوا بصورة راقية وجهات النظر التي كشفت عمق الاهتمام المتبادل بالقضايا المشتركة، والدعوة إلى تكثيف تلك الحوارات بين الجانبين .

ويشير برنامج المؤتمر الثالث الذي سيعقد بطوكيو إلى دور الشباب في عالم متغير ، وتنوعت موضوعات الحوار لتطال دور التكنولوجيا الحديثة ، وأهمية وسائل الإعلام، ودور المؤسسات الأكاديمية والدبلوماسية ومنظمات المجتمع المدني في فتح قنوات جديدة للحوار الإيجابي بين الشباب.

بالإضافة إلى موضوعات علمية تناولت دور الثقافة في الحفاظ على القيم الأخلاقية والتناغم الاجتماعي، وأهمية التربية في التنمية الاجتماعية المستدامة، وضرورة تدريب القوى الشبابية على إقامة التوازن بين التراث التقليدي والمعاصرة، ودور الشباب في عملية التغيير الاجتماعي، والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية الناجمة عن الزلازل ، والتحذير من مخاطر التسونامي البحري وتسرب الاشعاعات النووية، والعمل على الحد من انتشار المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية .

بالاضافة إلى نقاشات مستفيضة تناولت الأسباب الحقيقية للانتفاضات الشبابية في بعض الدول العربية، مع رصد إحصائي دقيق لمشكلات البطالة، والفقر، والأمية، وغيرها من الآفات الاجتماعية التي تجتاج غالبية الدول العربية والإسلامية.

وناقش الشباب، إلى جانب المشاركين في الحوار، طبيعة النزاعات الداخلية في المرحلة الراهنة، والحروب الأهلية والانقسامات السياسية والطائفية والمذهبية والقبلية في بعض الدول العربية والتي مهدت للتدخل الأجنبي المباشر في منطقة الشرق الأوسط، وحولت النزاعات الإقليمية إلى صراع دولي في مجلس الأمن أفضى إلى نوع من التعددية القطبية في النظام العالمي الجديد.

تحتاج موضوعات هذه الثلاثية الهامة ، خاصة الشبابية منها، إلى دراسة متأنية تبرز مدى اهتمام منظمي الحوارات الأخيرة بقضايا الشباب ودورهم في حركة التغيير التي تعم الكثير من دول العالم.

وقد احتل هذا الجانب موقعا متقدما في ثلاثية الحوار الجديدة المنتظمة بين اليابان والدول العربية والإسلامية، وتميزت بحضور رفيع المستوى للشباب الذين أثبتوا كفاءة ثقافية ولغوية عالية في التواصل المباشر وفق الحوار الديمقراطي الذي يحترم شخصية الآخر،وتقاليده، ومعتقداته وركزوا على توصيات مشتركة تطالب المنظمات الرسمية والخاصة باحترام خصوصية الشباب، والاعتراف بدورهم الايجابي في التغيير الديمقراطي، ومساهمتهم الفاعلة في بناء غد أفضل لأوطانهم وللإنسانية.

انتظم الحوار الثقافي السنوي بين الجانبين طوال العقد الأول من القرن حيث عقدت ثمانية مؤتمرات في عواصم عربية وإسلامية بالإضافةإلى طوكيو، شارك العرب فيهاوناقشوا مع الجانب الياباني موضوعات سياسية واقتصادية وثقافية ذات أولوية في المرحلة الراهنة، وتكمن أهمية المؤتمرات الثلاثة الأخيرة لعامي 2011 و2012 أنها ركزت على قضايا ساخنة، وأشركت الشباب في توصيف أسبابها واقتراح الحلول العلمية لها.

فبات الحوار الثقافي في سلم أولويات المؤسسات الثقافية العربية واليابانية،الرسمية منها والخاصة، وانتقل إلى معالجة قضايا راهنة ذات أبعاد مستقبلية تهم الشباب بالدرجة الأولى .

 

Email