السلام عليكم وكل عام وأنتم بخير

ت + ت - الحجم الطبيعي

جملة نكررها مئات المرات في اليوم والمناسبة، وفي كثير من الأحيان لا نذهب لأبعد من إصدار جملة صوتية لا نعني بها ما نقول.

الكلمة تصبح إقرارا وعهدا وميثاقا بمجرد خروجها. فعندما نلقي بالسلام على أحد، فإننا نعاهده بالسلم والأمان وعدم الاعتداء بل وبالحماية، حتى ولو كان الشخص قاتلا. لذا كان في عصر الجاهلية إذا ما أعطى أحد الأمان لمن طلبه حتى ولو كان قاتل أحد أفراد قبيلته، فإنه يظل في حمايته حتى يرحل. وهذا يعني أن العرب دون غيرهم من الأمم كانوا في السابق أكثر وعيا بأهمية الكلمة الصادرة وبالالتزام بما تعنيه.

إننا عندما نتمنى (كل عام وأنت بخير) لمن نلقي إليه بالتحية، فإنه أيضا يتوجب علينا أن نقول ذلك بإيمان ومحبة وإدراك منا وليس لمجرد ترديد جملة فقدت معناها لكثرة استخدامها بينما نحمل عليه في صدورنا غلا وتمنيا بالموت العاجل!!

وأتخيل أن إلقاء السلام والتمني بالخير لا يكون كافيا إن لم يصاحبه العمل به والسعي إليه. فعلى المسلم أن يساهم ويساعد على نشر السلم وفعل الخير والعمل به. وهذه واحدة من مرتكزات الديانات السماوية وعلى رأسها الإسلام الذي حمل في حروفه الخمسة جذور كلمة السلم ومحبة البشر.

فهل يعلم المسلمون حقا كم هم ملزمين بهذه المعاهدة الشفوية التي يعيدونها مئات المرات في اليوم الواحد؟ أم أننا نقول شيئا ونفعل شيئا آخر كما يفعل الناكثون بعهودهم؟ ودون أن نظلم أحدا ونظلم أنفسنا، فإن نسبة كبيرة من المسلمين ربما لا تلتزم بتطبيق شريعة الله في الأرض بين النية والقول والفعل.

وأصبحنا نبرم معاهدة السلام مع الآخر الذي يوافق عليها ويردها بأحسن منها، ثم وفي أقل من نصف ساعة نغدر ونقتل ونغتصب حق من منحناه الأمن قبل دقائق. إن إلقاء تحية الإسلام ولو شفاهة على الآخر إلزام للطرف الأول بمنح الأمان، ثم أن رد الآخر بمثلها أو بأحسنمنها هو إقرار رسمي وعهد منه بقبول المعاهدة والالتزام بها. وهذا ما لا يحدث على أرض الواقع!

وربما تسبب هذا الفهم القاصر لكثير من تعاليم ديننا الحنيف وعدم العمل بها فيما وصلنا إليه من شدة الفرقة وتزايد التشتت والغلو في الخلافات التي أمست تتكاثر في كل اتجاه من البيت إلى المدرسة إلى المجالس الخاصة وإلى مواقع الانترنت وتتسع بين أمة الإسلام في شتى بقاع الأرض. ولو أننا التزمنا بمعاهدة السلم هذه مرة واحدة في اليوم، لحلت معظم خلافاتنا مع كثرة طوائفنا ومذاهبنا أينما كنا.

إن معظم سور وآيات القرآن الكريم تدعو وتحث على السلم والمحبة والتعاون والود، بينما نحن أبعد ما نكون عن هذه الدعوات المستمرة. إن آية (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) لا يوجد لها مثيل في أي ديانة أخرى في العالم. وإذا كان هذا الأمر الإلهي موجه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم تجاه الكفار والمنافقين وغيرهم من أعداء الأمة الإسلامية، فكيف بنا إذا كان النزاع أصلا بين المسلمين فيما بينهم؟

فها نحن بعد أن تعاهدنا أمام الله بالسلام وبالأمان ننقلب على أنفسنا بالقتل والتنكيل. إن مجرد الدخول في دين الإسلام والتشهد بالشهادتين هو التوقيع على عهد مع الله بالتقيد بأوامره وتعاليمه، وبالتالي يحرم علينا دم المسلم إلى يوم القيامة. فهل نحن نطبق معاهدتنا هذه مع الله؟

لقد بلغت الدماء بين المسلمين إلى الركب، والحقد بين المسلمين لن تزيله كل أمطار السماء، والكراهية التي ملأنا بها قلوبنا تجاه بعضنا بعضا بسبب اختلاف على مبدأ أو مذهب أو أصل أو فصل جعلت قلوبنا سوداء كالقطران، ومن ملء قلبه بالحقد وبالكراهية لمن نطق بالشهادتين أيا كان فلن تستجاب له دعوة. فالحقد والكراهية والتربص تجعل ما بين العبد وربه ما يشبه الغشاوة التي تعمي البصر والبصيرة.

يعيش المسلمون هذه الأيام احتفالات عيدهم الأضحى المبارك، ونتمنى لكل المسلمين الأمان والسلام والتفاهم والمحبة على أرض السلام والمحبة.

وكل عام وانتم بخير.

 

Email