الحماية الدولية من جرائم الحرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

ان مبدأ تحمل المسؤولية لحماية المواطنين ومبادرة الامم المتحدة بهذا الشأن، جاءت بعد احداث التسعينات وما خلفته في الذاكرة من مراره تجاه المآسي الانسانية بسبب فشل الاسرة الدولية من ان تمنع الاحداث في رواندا وعدد من الدول الافريقية الاخرى في الوقت المناسب، وعلى خلفية ذلك جاء موضوع التدخل الخارجي العسكري لمنع حدوث جرائم ضد الانسانية.

وتشهد اروقة الجمعية العمومية للامم المتحدة خلال اجتماعاتها التي تجري الان حوار حول مبدأ "المسؤولية من اجل الحماية" وخاصة التدابير التي تتعلق بالاساس الثالث من هذا المبدأ وهو التدخل الدولي لحماية المواطنين الذين يتعرضون لانتهاكات ترتقي لمستوى جرائم الحرب، خاصة .

وان مبدأ المسؤولية لحماية الشعوب يستند على فهم تطبيقات السيادة الوطنية وكيف ان المسؤولية الرئيسية لحماية الشعوب هي من مسؤولية دولهم في المقام الاول. كما ان هناك الحالات التي تواجه فيها المجتمعات مخاطر جدية في حياتهم وحينها يبرز السؤال عن كيفية التعامل في حال عجز دولهم في درء او وقف المخاطر عنهم.

وان من المهم ان يستكمل بحث مدى تعارض او انسجام مبدأ احترام السيادة مع مسؤولية الاسرة الدولية في حماية الشعوب، واهمية هذه الحوارات على هامش الجمعية العمومية كونها تأتي في ظل التطورات في منطقتنا ومنها التطورات الليبية سابقا والتطورات السورية حاليا. والكيفية التي ينبغي للاسرة الدولية ان تتحمل مسؤولياتها فيما يتعلق باجراءات الاساس الثالث في مبدأ "المسؤولية من اجل الحماية" للشعوب واستخداماته.

ان الاسرة الدولية وهي مدفوعة بالرغبة بان ترتقي الى مستوى ضمان وعدها الذي اطلقته بعد احداث رواندا والاحداث الاخرى المماثلة لها، بان لاتتكرر الضحايا البشرية مرة اخرى، نجدها تنخرط في حوارات واسعة على الصعيد الرسمي والشعبى، اقليمياً ودولياً لتجنب اراقة الدماء التي ترتقي الى مستوى جرائم الحرب من خلال امتلاك الوسائل التي تمكن من ان تضع الدول امام مسؤولياتها.

وحتى لاتضطر الاسرة الدولية لتحمل مسؤولياتها بالتدخل المباشر للحماية من جرائم الحرب، نشهد الجدل من خلال وسائل الاعلام والحوار في المحافل السياسية الدولية، لبحث افضل السبل للحصول على المعلومات الحقيقية والتعامل معها بما ينسجم مع المواثيق الدولية.

ومن خلال الوثيقة الرسمية التي اودعتها البرازيل في الامم المتحدة في نوفمبر 2011 بشأن الاثار المؤلمة للتدخل الدولي، فان من وجهة النظر البرازيلية يمكن لمثل هذا التدخل ان يؤجج بعض النزاعات اكثر، ويسمح باجتذاب العناصر الارهابية الى مناطق لم تكن موجودة فيها من قبل مما يفتح المجال لدورات عنف جديدة وذلك يعود بالذاكرة الى محاذير تجربة التدخل الدولي في العراق.

ومن هنا يشير الموقف البرازيلي الى مخاطر سوء فهم مبادرة "تحمل المسؤولية لحماية المواطنين" وخاصة عندما يتعلق الامر بتغيير الانظمة وهل يتم ذلك من قبل شعب البلد المعني نفسه ام بمساعدة خارجية. هذه تحتاج الى الاتفاق على مبادئ واجراءات ومعايير من بينها، أولاً التأكيد على الاجراءات الوقائية الدبلوماسية باعتبارها تقلل من مخاطر الانتقال الى النزاع المسلح المقترن بفقدان مزيد من الارواح البشرية. ثانياً تدخل الاسرة الدولية من خلال استخدام كافة السبل السلمية المتاحة لحماية المواطنين وعلى اساس ميثاق الامم المتحدة.

ثالثاً ان التدخل واستخدام القوة لتطبيق مبدأ "تحمل المسؤولية في حماية المجتمعات"، ينبغي ان يتم بتفويض من مجلس الامن وعلى اساس ميثاق الامم المتحدة، وان يكون هذا التفويض لعمليات مشروعة ومحدودة وعلى اساس القانون الدولي وخاصة القانون الدولي الانساني. رابعاً التأكد ما اذا كان استخدام القوة وفي ظل اي ظروف سيسبب ضررا اكبر مما خول لهذا التدخل ان يمنع من اضرار. وتشير بعض القوى الدولية كمثال على محاذير ذلك، الى التدخل الدولي في ليبيا.

حيث تتطرق الى حجم الضحايا من المواطنين وترى ان جزءا من المسؤولية يقع على التدخل والضربات الجوية الدولية لفرض حظر الطيران، مما يستوجب ذلك على مجلس الامن المراقبة الثاقبة لهذا التدخل وتقييمه بين فترة واخرى، للتأكد انه يترجم مبادرة تحمل المسؤولية لحماية المواطنين من الجرائم وفق الفهم المشترك للاسرة الدولية الذي تمخضت عنه نتائج القمة العالمية في 2005. كما انه من المهم ان يؤمن مجلس الامن ايماناً راسخاً بالمحاسبة والمساءلة تجاه الجهات التي خولت باستخدام القوة من خلال التدخل الخارجي.

ان مبادرة "المسؤولية في حماية المجتمعات" التي تتعرض للجرائم، التي اطلقتها الامم المتحدة وخاصة الاساس الثالث فيها الذي يشرع للتدخل الخارجي، ستظل مثار جدل قد يمتد ليستغرق عقودا من هذا القرن. وفي غياب المعايير الواضحة لحماية المجتمعات من الجرائم، لعل الاسرة الدولية تحتاج الى التفكير في توسيع مجلس الامن ليعكس الوقع الحالي لميزان القوى.

وليس واقع مابعد الحرب العالمية الثانية الذى تغير. كما قد يحتاج المجتمع الدولي لان تمارس الجمعية العمومية دورا أوسع، ويتطلب ذلك ايضا توسيع الديمقراطية في اطار الامم المتحدة، كما اننا نحتاج الى منهجية مشتركة للاسرة الدولية للتعامل مع مبادرة "تحمل المسؤولية في حماية المجتمعات" التي تواجه جرائم الحرب والابادة والتطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية.

 

Email