فلسطين على طريق الضياع

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يتمدد ربيع الثورة العربية ليشمل فلسطين؟ قيادة السلطة الفلسطينية لا تتمنى حدوث ذلك فيما يبدو. الرئيس محمود عباس يقول في مقابلة صحفية إن استمرار تعطيل محادثات السلام بين السلطة الفلسطينية والسلطة السياسية الإسرائيلية «سيؤدي إلى حالة من اليأس» ربما تؤدي بدورها إلى «عواقب غير محمودة».

بدلا من ذلك فإن إسرائيل ماضية في تطبيق إجراءات عملية من شأنها ليس فقط تهويد أرض الضفة الغربية بل أيضاً ضمها إلى السيادة الإسرائيلية.. وبذلك تنتهي إلى الأبد أسطورة «حل الدولتين».

الحديث الصحفي للرئيس عباس تزامن مع إعلان إسرائيل بأن رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو صادق على تقرير قضائي إسرائيلي لإضفاء شرعية قانونية على المستوطنات العشوائية في الضفة الغربية. ووفقاً لهذا التقرير الذي أعده ثلاثة قضاة وتبناه رئيس الوزراء الإسرائيلي فإن إسرائيل «ليست قوة عسكرية محتلة».

وبكلمات أخرى فإن معنى القول هو إن الضفة الغربية أرض يهودية مما يجعل الاستيطان اليهودي المنتشر على هذه الأرض وجوداً شرعياً مما يلغي عملياً مشروع «حل الدولتين» - دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيلية».

ويقول القضاة واضعو التقرير إن القانون الدولي لا يمنع إنشاء وتوسيع المستوطنات. على هذا النحو فإنه ليس مجرد تقرير نظري يمكن أن يندرج داخل «عملية السلام» مع السلطة الفلسطينية بل هو في الحقيقة خطة عملية خاصة أن نتانياهو يتبناه رسمياً ليكون الأجندة الرئيسية للسياسة الإسرائيلية الداخلية خلال الشهور المقبلة.

وفي سياق هذه الخطة تؤكد الخطة في عبارات صريحة غير قابلة للتأويل أو التخمين أن لليهود الحق في الاستقرار في أي مكان في أرض الضفة الغربية وخاصة في المناطق التي مازالت تحت السيطرة الإسرائيلية في إطار اتفاق أوسلو.

وما إن نشر التقرير القضائى في الوسائل الإعلامية حتى صدر إعلان من السلطات الإسرائيلية يفيد بأن الحكومة أصدرت موافقة نهائية على خطة لبناء 800 وحدة سكنية استيطانية في مستوطنة جيلو في القدس الشرقية. ومن المفترض نشر العطاءات خلال بضعة شهور. ولا نحتاج إلى قدح الفكر وإعمال الذهن لندرك أن ضياع فلسطين نهائياً لم يعد سوى مسألة وقت.

فهل أعدت قيادة السلطة الفلسطينية العدة لمواجهة هذا المصير المرتقب؟ يقول كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إن المشروع الإسرائيلي لبناء 800 وحدة سكنية استيطانية جديدة يأتي «ضمن المخطط الإسرائيلي الشامل الذي يهدف إلى تدمير حل الدولتين».

ورغم أن هذا القول لا ينطوي على اكتشاف للتدابير الإسرائيلية إلا أنه يدعو إلى تساؤل: هل لدى السلطة الفلسطينية مخطط عملي مضاد للمخطط الإسرائيلي الشامل؟ وفقاً لما يقول عريقات والقيادات الفلسطينية الأخرى فإنه ليس لدى السلطة الفلسطينية خيار نضالي سوى اللجوء إلى المجتمع الدولي.

يقول عريقات: «نحن نطلب من المجتمع الدولي إنقاذ حل الدولتين الذي تدمره حكومة نتانياهو بآلتها الاستيطانية التوسعية». ويمضي قائلاً إن القرار القضائي الإسرائيلي الذي يعتبر الاستيطان شرعياً وأن القانون الدولي لا ينطبق على الأراضي الفلسطينية وأن المسجد الأقصى تحت السيادة الإسرائيلية.. «كلها قرارات هدفها ترسيخ الاحتلال والاستيطان..».

لكن رغم إقرار عريقات بهذه الحقائق بالغة الخطورة على مصير الشعب الفلسطيني وأرضه فإنه لا يستخلص من ذلك سوى نقل المسؤولية النضالية الفلسطينية إلى «المجتمع الدولي».

لكن من ناحية أخرى لا نعرف ماذا تستخلص قوى الشعب الفلسطيني. ما يخطر على البال في الوقت الحاضر أن الشعب الفلسطيني يرى أولاً أن مصيره بلغ طريقاً مسدوداً بالكامل.. وثانياً أن مسيرة ثورات الربيع العربي لن تتوقف وأنها خلقت مناخاً تغييراً جديداً تماماً. والسؤال الأخير الذي ينبغي أن يُطرح هو: هل تستفيد القوى الشعبية الفلسطينية عملياً من هذا المناخ فتشعل انتفاضة فلسطينية ثالثة أشد قوة وأفضل تنظيماً وأكثرة قدرة على الصمود والاستمرار من الانتفاضتين السابقتين؟

 

Email