7*7

طرزان الاقتصاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما جعل الله لإنسان من قلبين في جوفه، ولا لسانين في حلقه ولا عقلين في رأسه. رغم هذا يتكلم الإنسان كثيراً ويحب هواية جمع المناصب والسُلطة مثل هواية جمع التحف والطوابع. تميز الشرق الأوسط بتعدد القُبعات الوظيفية المتضاربة والبدلة الفضفاضة التي أكبر ممن يرتديها. فيكون الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، إما بسبب عدم توفر الإمكانيات الوظيفية لديه من علم وخبرة وشخصية متزنة إلى الطموح الجنوني عند البعض الآخر.

هؤلاء أقرباء طرزان تجد طريقتهم الطرزانية في الإدارة تعتمد على الترهيب والوعيد وليس العدل والجزاء. فينظرون للأمور بزاوية أحادية قصيرة المدى تقف عند صخرة المصلحة الشخصية التي تتحطم عليها جميع الأنظمة والمبادئ. فتجد التصنيف للموظفين ليس على الكفاءة ولا على الأداء، لكن على الأبعاد الطرزانية الموحدة لقبيلة طرزان.

الشخصية الطرزانية هذه تكلف الاقتصاد مرتين أو ثلاثة أضعاف، أولاً بعدم أداء الدور الاقتصادي المطلوب، والثانية تكلفة الفرصة الضائعة، والثالثة تكلفة التنظيف الإداري لما قد تركه خلفه. هناك ظواهر اقتصادية قد تكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم منها "إذا رأيت الأمر يوسد إلى غير أهله فانتظر الساعة"، وطبعاً قيام الساعة يعني نهاية الاقتصاد وقربها مقدمات لتلك النهاية.

يظن طرزان ان قانون الغابة هو الذي يحكم ويسود، لكن لا يلبث طويلاً حتى يعلم مدى خطأه. فقانون الغاب ليس له مكان غير في رأسه، ويسود النظام ولا يصح إلا الصحيح. ظاهرة التوحُد مع الكرسي من سمات الشخصية الطرزانية، فهو بنى شخصيته حول الكرسي فإذا ذهب الكرسي ذهبت شخصيته معه. يظن طرزان أن طول فترة خدمته تعطيه أحقية وظيفية، والحقيقة هي يمكن ان تعطي أماناً وتقديراً وظيفياً، وليس المنصب الذي يحتاج بدوره الكفاءة والقدرة وإلا ما كان وزيراً ولا مديراً إلا من طعن سنه واشتعل رأسه شيباً. كثيراً ما نستغرب سائلين أنفسنا هل هي مناصب أم عقول تدير الأمور؛ الجواب لا هذا ولا ذاك إنما هناك إيد خفية تدبر وتدير الكون هو الله جل جلاله وليست الدنيا أكثر من أرزاق وفراق.

ختاماً كما قال البستي أبو الفتح شاعر عصره، وكاتب دهره، وأديب زمانه في نونية الحِكمة:

وكل وجدان حظ لا ثبات لـه.. فإن معناه في التحقيق فقدان

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم.. فطالما استعبد الإنسان، إحسان

أقبل على النفس واستكمل فضائلها.. فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

 

Email