الخليج العربي والملوثات السياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما دخلت السياسة من باب إلا وخرجت الأخلاق من باب آخر. وهذه معادلة لا خلاف عليها. ففي السياسة تنعدم الأخلاق والإنسانية.

منذ أيام والإعلام الأميركي يكرر اسطوانة نية إيران في تلويث الخليج العربي. وكوننا مطبلين للإعلام الغربي، لم نجد سوى التأكيد على الخبر.

لا أحد ينكر موقف إيران المتعنت في التدخل في شؤون المنطقة بشكل خاص وفي احتلال جزرنا. ولا أحد يجهل طموحات إيران البعيدة المدى. ولا نستبعد أن تقوم إيران حالة مهاجمتها بإغراق باخرة أو باخرتين في مضيق هرمز لوقف حركة الملاحة. ولا أحد يستطيع أن ينكر بأن إعلام العم سام امتطى هذه التهديدات في فترة حاسمة تمر بها الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية وذلك لحاجة في نفس يعقوب.

والكل يعرف لماذا وما هو الغرض من هذا التطبيل الذي جاء في غير وقته. غير أن تلوث خليجنا العربي لن يكون سابقة ترتكبها إيران. فإيران مازالت تهدد وتتوعد لكونها اليوم في زاوية حرجة أمام التهديد الغربي، لكنها لم تنفذ بعد تهديداتها، وربما لن تنفذه على أرض الواقع عندما ستكون منشغلة بفوضى الضربة المرتقبة التي ستغير وجه المنطقة.

تلويث الخليج تهمة غير موجهة إلى إيران فحسب. فكلنا مشاركون في عملية التلويث هذه وكلنا نلوث الخليج وكلنا لا أرى لا أسمع لا أتكلم. وأكبر تلوث للخليج ارتكبته نفس الدول الغربية التي تبكي عليه اليوم بواسطة سفنها التي تأتي كالقراصنة لنهب النفط الخام وترمي فيه ملايين الأطنان من المخلفات بشتى أنواعها. ثم هناك السفن التجارية وغير التجارية وكلها تلقي نفاياتها في حوض مائي لا تتعدى مساحته 230 ألف كليومترا مربعا!

ثم جاءت الأساطيل والكل يعلم من أين تجيء - لحماية مصالح الغرب وليس لسواد عيون العرب كما ظننا وما زلنا نظن، ولا أحد يعلم الكم الهائل من مخلفاتها النووية التي ورثته وما زالت تورثه لنا في هذا الخليج المجني عليه. وعندما نتحدث عن المخلفات النووية فإن هذا لا يعني أنه لا توجد أي أصناف أخرى من المخلفات التي تطفو على سطح الخليج أو ترسو في أعماقه. وهذا الوضع يمتد منذ 82 عاما، أي من تاريخ اكتشاف أول بئر نفط في الدمام عام 1928 إلى لحظة كتابة هذه السطور.

ثم جاء الزعيم العربي القائد المغوار والرئيس الذي لا يشق له غبار فأحرق الكويت بمن فيها، وأول إنجاز حققه هو إحراق آلاف الآبار النفطية في الكويت. ثم قام بضخ النفط من خمس ناقلات نفطية راسية في ميناء الأحمدي ومن بعض الآبار النفطية القريبة في مياه الخليج بما يعادل ستة ملايين برميل تقريبا. ثم قام بفتح صنابير ضخ النفط في ميناء الأحمدي ليزيد الطين بلة! وورث لنا أكثر من 130 بقعة زيت لم يشهد لها العالم مثيلاً في التاريخ ما زلنا نتجرعها يوميا من خلال الأسماك المسممة التي نأكلها على أفخم الموائد.

وأتصور أن ما دمره صدام لا يوازي شيئا أمام ما نفعله يوميا، نحن سكان المنطقة المطلون على شواطئ الخليج العربي. فكل نفاياتنا تصب فيه. وبعد جنح الظلام تأتي ناقلات النفط (35 ألف ناقلة نفط سنوياً) والبواخر التجارية وغير المرخصة والسائبة والقراصنة وقوارب المتسللين والمندسون تحت جنح الظلام حاملين المخلفات السامة التي بدلاً من دفنها في بلدانهم تكب في خليجنا أمام غياب الرقابة والقانون. ونحن نشرب من هذا الماء بعد تحليته. فكيف إذا أصبح غير صالح للتحلية؟

على سكان المنطقة ومن يعيشون على ساحل هذا الخليج الحيوي، أن نكون أكثر أمانة مع أنفسنا ولا نلوث بيئة الخليج العربي بمخلفات السياسة. فإذا ما نضب نفطنا سنعود إلى هذا البحر كما كان يرتاده آباؤنا وأجدادنا من قبل، نبحث فيه عن سمكة نصف صالحة للأكل أو محارة نعين بها أنفسنا على صعوبة الحياة، وقتها لن نجد لا السمكة ولا اللؤلؤة ولا البحر!

يتوجب على جميع الدول المطلة على سواحل الخليج العربي، ومنها إيران، وضع خلافاتهم المذهبية جانبا، وعدم سماع اسطوانات الغرب الكيدية لأننا نعرف جيدا من لوث خليجنا، وعلينا أن نبحث متعاونين عن سبل حماية الخليج بعيدا عن مهاترات الشعارات والخلافات المذهبية والأغراض السوداء، ونعمل على تقرير مصير هذا الخليج ومصير الأجيال القادمة.

وبس يا بحر!!

 

Email