معاناة الأميركيين في الصين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يخوض كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني، نزاعا أشد مرارة من أي وقت مضى، حول من يستطيع أن يكون أكثر صرامة حيال الصين، وهو أمر عادي بالنسبة لهذه المرحلة من الحملة الانتخابية الرئاسية.

ولدى مشاهدته هذا، راح وارن روثمان، وهو محام من سان فرانسيسكو، يتأمل كم كانت الصين "قاسية" عليه، وهي مشكلة غير عادية البتة. وببساطة، يقول روثمان إنه خلال فترة إقامته وعمله في شنغهاي قبل بضع سنوات، تعرض لمحاولة قتل معقدة ومنسقة من جانب أحد زملائه الصينيين، حيث تم تسميمه وإيداعه مستشفى للأمراض العقلية، وتعذيبه بطرق كانت تهدف للتسبب في إصابته بسكتة دماغية مميتة.

لماذا يستغرق الأمر كل هذا الوقت؟ إنه السؤال الذي قال روثمان إن أحد معذبيه الصينيين طرحه، بينما كان هو يجلس مخدرا ومربوطا إلى كرسيه، ولكن على قيد الحياة.. وبعد ذلك بفترة وجيزة تمكن من الهرب.

وأخيرا، راح روثمان يتابع الدراما الحاصلة في الصين حول مقتل نيل هيوود، وهو رجل الأعمال البريطاني الذي سبب مقتله في الخريف الماضي، فضيحة سياسية محرجة للغاية. ودفع ذلك روثمان إلى إعادة النظر في ملفاته الخاصة، تلك التي احتفظ بها من كابوسه الخاص في الصين. وحينها، اكتشف للمرة الأولى أن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية العاملين في قنصلية شنغهاي، هم الذين حرضوا الأشخاص الذين حاولوا قتله، ربما عن غير قصد.

وأحد الأمثلة على ذلك، أنه حين ألقى به معذبوه في مستشفى الأمراض العقلية، كتب القنصل الأميركي بالوكالة مذكرة تفيد أن روثمان "يحتاج إلى عناية طبية ونفسية عاجلة"، وأن الزميل الذي دبر الخطة "هو الأقدر على التعامل مع احتياجاته". وحين اكتشف روثمان ذلك أخيرا، قال لنفسه: "يا إلهي، كيف يمكن لذلك أن يكون صحيحا؟"! ثم أخبر مكتب المفتش العام في وزارة الخارجية عن الدور المؤلم الذي لعبه القنصل الأميركي بالوكالة وغيره من مسؤولي القنصلية، في تلك الدراما التي تعرض لها.

ولكن مكتب المفتش العام راسل روثمان في أواخر الشهر الماضي، قائلاً: "لقد وجدنا أن المكتب المناسب لمعالجة شكواك، هو مكتب شؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ".. أي مكتب وزارة الخارجية نفسه الذي كان الدبلوماسيون المعنيون يعملون فيه!

وكان ذلك أكثر الردود التي سمعتها في حياتي عقماً.. لذا فقد راسلت مكتب المفتش العام، وسألته عن السبب في إحالة روثمان إلى المكتب الذي كان المتهمون يعملون فيه؟ فقال لي براين روبندال، أحد المسؤولين في المكتب: "لقد وجد مكتبنا" أن مكتب وزارة الخارجية هو "الأنسب للتعامل مع الشكوى، وذلك كل شيء.. شكرا جزيلا".

ويفترض بالمفتشين العموميين أن يحاسبوا الوكالات الحكومية، في حال سوء التصرف أو الافتقار للكفاءة أو الإساءة. وبالتالي فإن إرسال الشكوى إلى الوزارة يتعارض مع ولايتهم، بشكل مباشر. ومكتب المفتش العام نفسه يقول إن مهمته تتمثل في "التحقيق في حالات الاحتيال والهدر وسوء الإدارة، التي يمكن أن تشكل اعتداءات جنائية أو انتهاكات لقواعد وأنظمة الوزارة".. ومساعدة شخص يحاول قتل مواطن أميركي، تقع بالتأكيد ضمن نطاق "الاعتداءات"، أليس كذلك؟

بدأ كل هذا في عام 2008، عندما استقر روثمان في شنغهاي. وذات ليلة، كان يتناول طعام العشاء مع زميل قانوني له، من دون تفكير أنه سهل دفع رشوة قيمتها 3 ملايين دولار لضمان فوز موكله (شركة أميركية بارزة)، بعقد للعمل في الصين.

فانتقد روثمان زميله الصيني، الذي كان يعمل مساعدا قانونيا لمكتب محاماة غربي، فـ"بدا محرجا للغاية"، حسب قول روثمان. ثم تحول الإحراج، في ما يبدو، إلى غضب ودافع للانتقام الوقائي.. فماذا لو وشى به روثمان وأوقعه في ورطة؟ وكان روثمان (68 عاما) قد أخبر المحامي الشاب بأنه معرض للإصابة بسكتة دماغية، وهو يعتقد أنه أعطي خفية عقارا مصمما لكي يسبب له سكتة. ثم تم إدخاله كرهاً إلى مستشفى للأمراض العقلية، وهي ممارسة شائعة للغاية في الصين هذه الأيام.

وإلى جانب مكتب المفتش العام، فقد راسل روثمان عضوي مجلس الشيوخ دايان فاينشتاين وباربارا بوكسر، وعضوة الكونغرس نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي. وكتب يقول: "باستثناء حقيقة أنني لم أقم بأي تصرف لا أخلاقي، وحقيقة أنني لم أعد إلى الولايات المتحدة في جرة لرماد الموتى، فإن قضيتي تشبه إلى حد كبير قضية نيل هيوود، رجل الأعمال البريطاني الذي تعرض للتسميم في تشونغ كينغ على يد غو كايلاي، زوجة بو زيلاي".

ولكن أيا منهن لم تبعث برد ذي مغزى، على الرغم من أنه تلقى ردا من اللجنة التنفيذية للكونغرس حول الصين، التي قالت إنها ستنظر في المسألة.

دعونا نأمل أن تأخذ اللجنة هذه المسألة على محمل الجد، ولا تقذفها بعيداً كما فعل المفتش العام..

 

Email