سقط الجمل بما حمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

نحن اليوم أشبه ما نكون بالجمل الذي وقع بين مخالب وأنياب قطيع من الأسود، وحول القطيع قطيع من الحيوانات المفترسة والضباع اللئيمة تترقب أن ينتهي الكبار لتأخذ حصتها مما تبقى منا، بينما على رؤوسنا تحلق العقبان تنتظر دورها، والخفافيش تشرب دمنا ليلا.. والعجيب في الأمر أن الجمل لم يمت، رغم كل هذه الأنياب المفترسة التي انغرست في لحمه وعظمه ودمه، وما زال يرفس بقدميه ويحاول أن يصارع الموت.

نحن يؤسف علينا، ويؤسف على أمرنا، وعلى تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا. ومن الباحثين المستشرقين في التاريخ الإسلامي والعربي، من لا يصدق ما يقرأ عن ماضينا وكيف انقلبت الدنيا علينا بين ليلة وضحاها؟ وكيف أن إمبراطورية بهذه الضخامة، كضخامة الجمل مقارنة بحجم الجرذ، سقطت وهي تملك كل مقومات البقاء إلى آخر يوم في الدهر؟

لا أحد يصدق ما حل بنا، كما لن يصدق مؤرخو اليوم أنه بعد مائة عام ستتحول الولايات الأمريكية إلى دويلات مقطعة، مهشمة، متحاربة متخلفة، كما كان العرب متخلفين في عام 2012 مثلا!

الواقع أن العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه - يشكل قوة عظمى من حيث الإمكانيات والعدد بين جميع القارات، لكنها قوة مبعثرة مغلوبة على أمرها. وكنت دائما أصر على عدم التحدث باسم العالم العربي، وإنما باسم قوة العالم الإسلامي. وذلك لسبب واحد وبديهي، وهو أن العرب تحضروا ليس بفضل انتمائهم إلى الجنس السامي.

ولكن لكونهم قبل كل شيء انتموا إلى حضارة إسلامية من الدرجة الأولى. وتقدم الأعراب وتحضرهم كان بفضل دخولهم في فلك الإسلام، وليس بفضل كونهم ينتمون إلى القبائل العربية التي هذبها الإسلام، وهذه مسألة لا يختلف عليها اثنان.

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكما هو مذكور في القرآن الكريم، جاء بدين عالمي وليس إقليميا ولا قوميا ولا عنصريا، كما فعل اليهود بدينهم. وكان أحرى بشعوب الأرض قاطبة اتباع هذا النظام الذي فتح لهم أبواب التحضر في العلوم الطبيعية والإنسانية، من الرياضيات إلى الفيزياء إلى الكيمياء إلى الطب والفلك والقانون وقانون الحروب والاقتصاد وغيرها من العلوم، غير أنه أخذت شعوب الأرض العزة بالنفس وظنوا بدين الإسلام الظنون.

كما أخذتنا فيما بعد لوثة جنون الحكم، فتمزقت الإمبراطورية الإسلامية إثر ذلك إلى ألف قطعة وألف مذهب وألف فكر، حتى فقد بعض المسلمين ثقتهم في ملتهم ودخلوا في أفلاك فكرية تبعد عنهم آلاف الأميال، والتي سرعان ما أثبتت فشلها في غضون نصف قرن فقط.

ولم يتعلم المسلمون بشتى مذاهبهم وطوائفهم وعشائرهم، من تاريخ مآسيهم، وذلك لعدة أسباب مهمة منها، اهتمامهم بحفظ التاريخ وليس فهمه، والتخلي عن مبدأ الشورى في الحكم، فتصارعوا على "من يجلس على قطعة الخشب هذه التي تسمى الكرسي؟"، وليـس بمـا سيفعل بـه بعد جلوسـه عليه، ثم انشغل كل واحد بنفسـه لنفسـه ولم ينظر إلى ما يحدث على بعد أمتار من قدميه، هـناك حـيث تقـدم العالم عنه بسرعة البرق.

بينما ظل هو قابعا في مكانـه يلملم حبات من الحصـى ليرمي به الشياطين التي تنافسه علـى كرسـيه. وتحول العالم الإسلامي إلى ما يشبه مربعات الشطرنج السوداء والبيضاء، وكل قطعة عليها ملك، وكل ملك يريد امتلاك جزء إضافي من المربع الذي يليه. وهكذا. وهكذا دارت عليهم دائـرة السـوء، وخسروا أموالهم في شراء ما سيدافعون به عن ملكهم أو ما سيهاجمون به أبناء جنسهم، ثم خسروا أجيالا من أبنائهم في تلك الحروب.. وليت المسلمين سخروا تلك الجيوش المؤلفة التي تذبح نفسها بأيديها، إلى أياد تبني في مجالات العلم المتقدمة.

وأمام انشغالنا بكرسي الحكم، تناوبت علينا الدول الواحدة تلو الأخرى، وتنافست في إخضاعنا وإذلالنا بما يشبه أن يكون عملية برضى من النفس (...).

وهكذا سقط الجمل بما حمل..

 

Email