التأمين الصحي.. تحديات وحلول

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجاوباً مع رغبة البعض (أخص بالذكر الزميل الكاتب محمود أحمد) وتكملة لحديث المقال المؤرخ بـ22 سبتمبر، والذي تطرقت فيه إلى ثقافتنا تجاه نظام التأمين الصحي، سأتناول اليوم تحديات وحلول هذه المنظومة.

لو نرجع في التاريخ للخلف، نجد أن مبدأ التأمين بشكل عام انطلق في الولايات المتحدة، وحينئذ كان هدف التغطية التأمينية الصحية للحوادث والحالات الطارئة فقط. لكن مع مرور الوقت، أصبحت التغطية تشمل الأمراض الحادة والمزمنة على حد سواء.

التحدي الأول مرتبط بالمريض. معرفة وفهم الطلاسم المكتوبة على بطاقة التأمين من قبل المريض، أول هذه العقبات. فحتى فترة قريبة كان النظام عندنا يعتمد على البطاقة الصحية، يذهب بها المريض إلى المستشفى/ العيادة الحكومية وتتم الأمور بشكل تلقائي. لكن مع بروز القطاع الصحي الخاص على الساحة والتغير الذي صاحبه في تفعيل التأمين، أدى ذلك إلى ظهور بطاقة التأمين على الساحة. ب

طاقة التأمين تبين نوعية التغطية والمبلغ المستقطع والخ.. فك الطلاسم وفهم المقصود بكل بند، مهم جداً للمريض. وهنا يأتي دور الجهة المعنية من موارد بشرية أو غيرها، في إفهام المريض الحقوق والواجبات المترتبة على بطاقة التأمين وبنود العقد. مثلاً؛ بعض البطاقات مكتوب عليها أن قيمة الدفع للمستشفى (أ) هي 25%. هنا يجب إخبار المريض بوضوح أنه سيدفع 25% من قيمة الفاتورة الكلية للمستشفى (أ)، وليس المبلغ المستقطع فقط (25 أو 50 درهماً).

التحدي الثاني يخص المنشأة الصحية. هناك قصص كثيرة تتحدث عن تلاعب المنشآت الصحية في عمل فحوص لا داعي لها، وكتابة تشخيص مختلف عن الواقع، وغيره من الأمور. صحيح حدث هذا، لكن هناك المنشآت الملتزمة (القليلة) بأخلاقيات المهنة ولا ذنب لها في هذا التلاعب.

إذن، ما الحل؟ هنا يأتي دور الحكومة كجهة رقابية، في الضبط وتقنين أسعار الاستشارة والفحوصات والأدوية. يحضرني أحد الأمثلة الحية، فقد قامت الدوائر الاقتصادية في الدولة مشكورة بوضع لافتات تختص بحماية المستهلك وخط ساخن للشكاوى، أمام واجهات المحلات والمطاعم..

وعلى المنوال نفسه تكون حماية المريض. حل آخر، ألا وهو تقييم المستشفيات والمراكز الصحية. صحيح أن عدداً كبيراً منها حاصل على الاعتماد الدولي وهذا أمر يشكر عليه، لكن وضع مؤشر (مشابه للمعمول به في تقييم المدارس) من ممتاز إلى ضعيف بناءً على معايير صارمة، سيسهم إلى حد كبير في تقليل الأسعار والفحوصات المبالغ فيها، وفي الوقت نفسه سيسمح للمنشآت الجيدة بمرونة سعرية نتيجة المخرجات المطلوبة.

التحدي الثالث هو شركات التأمين الصحية. الكثير من المرضى يلقي اللوم على التأمين في رفض عملية ما أو التأخير في الموافقة. لا ننكر حدوث هذه الإشكالية، حتى لو كان تبرير شركة التأمين أن تقارير المستشفى ناقصة وغيرها من المتطلبات. لكن لا ذنب للمريض الذي يعاني الأمرين، فهو مثقل بالآلام وآخر ما يتوقعه هو الجري خلف التأمين.

لنٌذكر شركات التأمين بأننا في عصر التواصل والانترنت وتحول العالم إلى قرية صغيرة. أبسط الحلول بعث رسالة نصية قصيرة من شركة التأمين إلى هاتف المريض، تخبره بوصول الطلب ورسالة أخرى بالموافقة. والحل الأمثل هو السماح للمريض بمتابعة الطلب على الموقع الالكتروني للشركة، أسوة بشركات الشحن. حينئذ لن يستطيع المستشفى إلقاء لوم التأخير على شركة التأمين، والعكس صحيح.

التحدي الرابع يقع في ملعب جهة العمل. صحيح أن إلزامية التأمين غير موجودة على مستوى الدولة ككل، لكن هذا لا يبرر تقاعس الكثير من الشركات والمؤسسات عن التغطية الصحية لموظفيها، ناهيك عن عوائلهم. الموظف الذي يتمتع بصحة جيدة يكون أكثر إنتاجاً، وهذا يعود بالنفع على الجميع. إذن، من واقع المسؤولية الأخلاقية والمجتمعية.

ومن أبسط حقوق الموظف هو الغطاء الصحي له. أما بالنسبة لتقنين استخدام التأمين، فيجب على جهة العمل التوعية المستمرة لموظفيها عن بوليصة التأمين، وتخصيص فرد أو فريق عمل يقوم بهذه المهام على مدار العام، وليس عند تجديد البطاقة فقط.

الحديث لا ينتهي في هذا الموضوع الشائك الممتع، لكن نتمنى تكاتف جميع الجهات، وبالخصوص المنشآت الصحية، في ما ينفع المريض، ولكي تعود مهنة الطب إلى سابق عهدها من الإخلاص والإنسانية، بعيداً عن مغريات المادة.

 

Email