طبلوا للحرب.. طبلوا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقال إنه عندما أعلنت فرنسا قرار الدخول في الحرب إلى جانب الحلفاء، تحولت شوارع باريس والمدن الفرنسية إلى مهرجانات للرقص والغناء والتطبيل فرحاً بهذا القرار. وودع الآباء الفرنسيون والأمهات الفرنسيات أبناءهم والزوجات أزواجهم والصديقات أصدقاءهم إلى عربات نقل الجنود بالورود والزهور متمنين لهم نصراً عاجلًا ورحلة ممتعة.

وتحركت حافلات نقل الجنود على أنغام الأهازيج والطرب حتى توارت عن الأنظار، وعاد الفرنسيون إلى بيوتهم يحلمون بالأمن والاستقرار الذي سيجنونه بعد نهاية المعارك. غير أن هذه الأحلام الوردية تحولت في غضون ليال إلى كوابيس حقيقية تمشي كالأشباح في طرقات باريس ملؤها الدماء والجثث المتناثرة والخراب واليتم وانتشرت رائحة الجيف في شوارع باريس وتحت ركام العمارات وتحولت ساحات الرقص إلى قبور مفتوحة في الهواء الطلق. وهذه المناظر تكررت في كافة المدن الأوروبية والشرقية دون استثناء.

وفي كل مشهد يسبق كل حرب تتكرر نفس أهازيج ورقصات أهالي الجنود الذي يسوقونهم كالأغنام إلى مصيرهم المحتوم تحت إيقاعات طبول المارش العسكري وكأنه عرس تاريخي يزف فيه شعب آمن إلى حضن شعب آمن آخر، وما هي إلا أيام حتى تنجلي الغبرة عن جثث القتلى وأنين الجرحى وتشرد الأيتام بأعداد مروعة.

ويتحول البشر إلى آكلي لحوم البشر، لهدف قد لا يتعدى رد اعتبار لكرامة ملك أهين أو للأخذ بدم رئيس اغتيل أو لتحقيق رغبة التوسع أو للاستيلاء على شبر أرض لا يشبع ولا يغني من جوع. وكما حصل أثناء الحرب العالمية الأولى تكررت الأحداث بنفس السيناريو بعد أقل من عشرين عاما على نفس الموقع الذي أعيد بناؤه. ثم لم يعتبر العالم من الحربين العالميتين التي أشعلها، فأعيد تمثيل أحداث المسرحية بنفس أبطالها ولكن في مواقع بعيدة.

في فيتنام والهند الصينية والجزائر والهند وأفريقيا ومن ثم في الشرق الأوسط بأكمله. وما زال الإنسان يتفوق في جهله على بصيرته، وما زال يتفنن في صناعة أدوات القتل والدعوة إلى الموت بشكل جماعي كلما سنحت له الفرصة لتحقيق أهداف غير إنسانية وقذرة لا تتعدى السيطرة على شعب آخر.

نحن لا نلوم الشعوب الغربية اليوم على إعادة اسطوانة التطبيل والرقص لحرب قادمة لا محالة، ولكننا نلوم كل من ينتظر بفارغ الصبر تلك الضربة التي لن تبقي ولن تذر. ونحن أول من سيصلى بها. لسبب بسيط هو أن الدول الغربية ستكتفي بالريموت كونترول بوضع الخطط الفاشلة ومن ثم ستبيع علينا أسلحتها الفاسدة بأسعار باهظة الثمن وبعدها سندفع نحن (أنا وأنت) ثمن حفارات القبور وصناديق الضمادات صناعة غربية مئة بالمئة.

وسنبكي على الأطلال والموتى ورائحة الجثث وعلى بلاهتنا وجهلنا المتجذر. استطاع الغرب في غضون عشر سنوات من إعادة بناء نفسه، فهل يستطيع العرب والمسلمون إعادة شارع واحد لم يستطيعوا على رصفه خلال عقود من الزمن؟

طبول الحرب تدق منذ فترة قصيرة وبشكل متزايد ومتواتر حول بيوتنا، ونحن نطبل معهم ونرقص لهم في انتظار الطلقة الأولى والتي ستنطلق لا محالة.

سوريا تئن منذ عام تقريباً تحت أصوات المدافع وتحت صراخ الجرحى ورائحة الموتى وتحولت شوارعها ومبانيها التاريخية إلى مقابر مفتوحة تجمع القاتل والمقتول المعتدي والمعتدى عليه الظالم والمظلوم. وانتهى بها الأمر وارتاحت إسرائيل نصف ارتياح. وتركيا استغلت احتضار سوريا فدخلت الحرب بحجة الدفاع عن أراضيها وربما بغرض دفين لديها لإعادة الامبراطورية العثمانية إلى المواقع التي خسرتها في الحرب العالمية الثانية. والدولة العلمانية اليوم هي ليست الدولة العثمانية بالأمس.

أما إسرائيل فهي لا تريد رأس أحمدي نجاد، ولكن تريد إذلال وتقسيم إيران وتهميش القضية الفلسطينية كما أذلت وقسمت العراق وكما تذل وتقسم سوريا اليوم أمام أعيننا. وكما أذلت من قبل وقسمت السودان. وبعد سوريا وإيران سيأتي دور مصر. وهناك دول تعرف نفسها بأنها ستكون إما قبل هذا أو بعد ذاك.

المنطقة تغلي وتتجه إلى شبه انهيار أرضي تماما حيث نقف اليوم نرقص ونطبل عليها كالمجانين.

ملاحظة للمنادين إلى الحرب: خلفت الحرب العالمية الأولى 20 مليون قتيل، وخلفت الحرب العالمية الثانية، سبعين مليون قتيل بينهم 45 مليوناً من المدنيين!! إضافة إلى ملايين الجرحى. ناهيك عن ملايين المهجرين وعن الدمار والأمراض والخسائر الاقتصادية الجمة.

فطبلوا للحرب .. طبلوا...

 

Email