التأمين الصحي إلى أين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تطرق الزميل د. منصور أنور حبيب في مقاله الذي نشره في جريدة البيان في 22 سبتمبر إلى موضوع "ثقافتنا تجاه نظام التأمين الصحي" وتطرق إلى تشابك منظومة التأمين الصحي بكل عناصرها وهم: المريض، المستشفى، شركة التأمين، وجهة العمل. وعلى الرغم من أهمية تلك الأطراف الأربعة فإن هذه المنظومة المعقدة وما يتخللها من مصالح ورغبات مختلفة تحتاج إلى حكم أوهيئة رقابية تعنى بتنظيمها وتعمل على مراقبة احترام الجميع لقواعد اللعب النظيف بهدف تحقيق الاستفادة القصوى من المنظومة التأمينية من دون تغول طرف على الآخر، لإبقاء التوازن المطلوب والذي تقتضيه المصلحة العامة و مصلحة المجتمع.

وتختلف منهجية الحماية الصحية أو التأمين الصحي بين الدول، فمعظم الدول إما أن تتجه إلى التمويل الصحي الحكومي أوالتأمين الصحي الاجتماعي أو المختلط، إلا أن القاسم المشترك بين جميع أنواع التأمين الصحي هو تجميع المخاطر عن طريق جمع الأموال المخصّصة للرعاية الصحية بالدفع المسبق من مجموعة من المشتركين وإدارتها بطريقة تضمن تحمّل جميع أفراد المجموعة لتكاليف الرعاية الصحية في حال الإصابة بالمرض، بدلاً من أن يتحمّلها فرد واحد، أي أن الأفراد الأصحاء الذين لايستخدمون التأمين يقومون بدفع جزء من تكاليف علاج الأشخاص المرضى الذين يعتمدون بشكل أكبر على التغطية التأمينية، وشركات التأمين تُنظم الاستفادة من توزيع الخطر لقاء أجر معلوم.

وبسبب آلية عمل التأمين الصحي وهي توزيع الخطر فإن الجهات الرقابية والتشريعية تواجه الكثير من التحديات والمعضلات ومنها على سبيل المثال، إيجاد الوسيلة العادلة لاحتساب أقساط التأمين الصحي، بمعنى، هل يجب أن يدفع المستفيدون بشكل متكرر من التأمين الصحي أقساطا تأمينية مساوية لأولئك الذين نادرا ما يستخدمون التأمين الصحي؟

يرى البعض أن تدخل الجهات الرقابية والتنظيمية ضروري لتحديد الآلية العادية لاحتساب قيمة أقساط التأمين لمنع شركات التأمين من تحديد هذه الأقساط على أسس انتقائية وغير أخلاقية، كأن تقوم شركة بالتأمين فقط على فئات عمرية معينة مثل الشباب والذكور وذوي الدخل المرتفع واستبعاد الإناث وكبار السن، ما قد يتسبب في إحداث فجوة في الرعاية الصحية في المجتمع قد تكون لها تبعات مؤسفة على الجميع.

بينما يرى البعض الآخر أنه من الضروري أن لا تخضع الأسعار للتنظيم من قبل الجهات الرقابية لأن الطلب والعرض والمنافسة السوقية، عوامل قادرة على ضمان أسعار أفضل للمستهلكين، والجهات الرقابية في أفضل الأحوال لايمكنها التنبؤ بتقلبات الأسواق والتغييرات السريعة التي تطرأ على العرض والطلب وغيرها من المتغيرات التي تفرض نفسها على السوق.

أما التحديات الأخرى فهي مرتبطة بالملاءة المالية والضمانات التي يجب على شركات التأمين تقديمها للمؤمن عليهم لضمان أن أقساط التأمين سيتم استخدامها فقط لتغطية تكاليف العلاج للمؤمنين وليس لتغطية مصاريف إدارية أخرى.

وأن رفض الشركة دفع تكاليف العلاج، مرتبط بأسباب جدية وليس أسباب متعلقة برغبة شركة التأمين في زيادة أرباحها السنوية أو رغبتها بإعطاء مكافآت أداء مجزية لكبار التنفيذيين كما شاهدنا في الكثير من حالات الإفلاس التي حدثت في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، كما لا بد من وجود رقابة تضمن استمرار شركة التأمين في تقديم خدماتها للأشخاص الذين انتهوا من تسديد مستحقاتهم التأمينية في حال تعرض شركة التأمين للإفلاس أخذا بمبدأ أن شركة التأمين هي مجرد حارس على أموال الأشخاص المؤمن عليهم لقاء أجر معلوم.

ويبقى التأكيد على أن الوضوح مطلوب بين جميع الأطراف، وأن الثقافة وإدارك حقيقة المنظومة التأمينية، ضروري لإيجاد التوازن المطلوب على المدى الطويل، وأن جميع الأطراف عليها القيام بواجباتها من منطلق أن الخلل في أحد الأعمدة الرئيسية قد يؤدي الى انهيار منظومة التأمين الصحي ما قد يؤثر على الخيارات العلاجية المتوفرة.

ويحد من تطور القطاع الطبي الذي يعتمد على التأمين في استمراريته، لذا فإنه من الضروري أن تقوم الهيئات التنظيمية أو الرقابية بعمل برامج تثقيفية وإرشادية مستمرة لجميع الأطراف لزيادة الوعي بشأن التأمين الصحي والذي يعتبر نظاما جديدا مبهما سواء للمستفيدين منه أو للعاملين في المؤسسات الطبية أو العاملين في قطاع التأمين الصحي.

 

Email