ركلة جزاء... حرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

شر البلية ما يضحك. وما يضحك الغير يبكينا نحن. ومع أن الأرض كروية، والشمس كذلك، إلا أنني لا أشجع أي فريق كرة قدم في العالم. أنا لا أكره هذه الرياضة، غير أن الاهتمام الشديد بتفاصيلها تحولني من متحمس رياضي إلى محاسب مصرفي.

فكرتها بدأت كتسلية طفولية بدائية، ثم عندما نجحت الفكرة سرقها منهم الكبار وحولوها إلى لعبة يتسلون بها ثم إلى سلعة يتاجرون فيها.

ومع الوقت فقدت هذه اللعبة هدفها الرياضي السامي التي قامت عليه. وأصبح اللاعبون يهتمون بتطوير بنيتهم الجسدية لا لتحسينها وإنما لإلحاق الهزيمة بالفريق الآخر.

وأصبحت هناك فرق رياضية تشبه الأحزاب السياسية. وأصبحت الجماهير تنتمي إلى واحدة منها بسبب أو بغير سبب. وكل ذلك كان يتم في جو ديمقراطي مثالي.

غير أن المال غلب على كل شيء في زمننا الحاضر. وأصبح ثمن اللاعب الواحد يفوق قيمة رئيس جمهورية بملايين المرات. ولم نسمع في يوم ما أن رئيس الولايات المتحدة الأميركية قد قبض ربع ما يقبضه أي لاعب محترف في العالم. فقد قدرت (قدما) بعض اللاعبين بمئات الملايين من الدولارات!! وبلغت رواتبهم الشهرية نحو أربعة ملايين درهم، ناهيك عن العلاوات وإيرادات الإعلانات وغيرها.

أي أن أعظم رئيس دولة في العالم يحسد ميسي على راتبه ومحظياته وشهرته ويخته وطائرته الخاصة ومسكنه وسياراته التي لا يحلم بها الرئيس المسكين أوباما في منامه (حيث يبلغ راتبه الشهري 125.000 درهم). ولو سألت في أدغال أفريقيا عمن يكون رينالدو لضحكوا عليك مرة لجهلك بهذا اللاعب الفريد من نوعه، بينما لو سألتهم عن فرانسوا هولاند لضحكوا عليك مرة أخرى، ولقالوا لك إنه لاعب غير معروف!!!

ولأهمية اللاعب في تحقيق الأهداف (الكروية بالطبع)، أصبحت الفرق العالمية بل الدول الكبرى تتنافس على شرائهم بأسعار خيالية. وأصبح هناك سوق سوداء وسوق احتكار وسوق كروية. وهكذا انتقلت المباريات من اللعب بين الأزقة المليئة بالحصى، إلى الملاعب المزروعة بالحشيش الأخضر.

ومن اللعب بين الصغار الأبرياء إلى الفرق واللعب على مستوى الدول والقارات. ولحسد السياسيين الدائم وفضولهم أدخلوا لعبة كرة القدم في لعبتهم السياسة، وطالما نشأ نزاع بين الدول في ما بينها بسبب هذه الكرة التي لا يزيد حجمها عن حجم أي جمجمة لسياسي غير محنك!

وحيث ان العرب (مش فالحين في حاجة) على رأي المصريين، فقد فشلوا في كرة القدم أيضا. وعندما لم يجدوا فريقا عربيا مشرفا، لجأوا إلى تشجيع ودعم الفرق القوية وعلى رأسها فريق برشلونة وريال مدريد. وأمسى اهتمامهم بهذين الفريقين يفوق بكثير اهتمامهم بقضايا أمتهم. وأصبح الفريقان حديث كل بيت ومنزل ومقهى وصحيفة. ومن المؤسف أن العرب فشلوا ليس فقط في إيجاد فريق كروي ينافس أضعف الفرق الغربية، بل فشلوا أيضا في فهم توجهات هذه الفرق التي يصحون وينامون على ذكرها.

حتى جاءت الطامة الكبرى التي أثبتت أن لا ريال مدريد ولا برشلونة ولا غيرها من الفرق على دراية بوجود مشجعين عرب بهذه الضخامة!! وحيث ان الحياة تشبه لعبة كرة القدم في كثير من الأمور، فبالتالي لن تجد أحدا يشجع الفريق الخاسر! وحيث ان العرب أثبتوا فشلهم في أهم أمور الحياة، فلا عجب أن يدعو فريق برشلونة الجندي الإسرائيلي المحرر جلعاد شاليط لتكريمه على هامش إحدى مبارياته مع فريق "ريال مدريد" في 7 أكتوبر القادم.

 ورغم الإحباط الذي أصاب مشجعي الفريق من العرب، ورغم تنديدهم بأن مقابل شاليط هناك عشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين والمظلومين في إسرائيل، لم يعبأ الفريق الإسباني بالتهديد أو حتى بخسارة مشجعيه من العرب المتطفلين عليه!

لذا أنا لا أشجع أي فريق كروي وسياسي غير عربي. وحيث انه لا يوجد حتى الآن فريق عربي يستحق الاكتراث به، فأنا أفضل مشاهدة مسرحية الربيع العربي. والدمار في سوريا. والتقسيم في السودان والأساطيل الأميركية تلوث الخليج العربي والتهديد الإسرائيلي بقلب المنطقة على رأسها، وأخيرا حركة الآليات أمام بيتي وهي ترصف شارعا إضافيا أهم لدي من كل فرق العالم.

 

Email