سقوط العظماء

قالوا قديماً مزمار الحي لا يطرب، وقالوا حديثاً أنت تحتاج إلى الخبرة. لكن وراء القولين، أكل العيش والبحث عن الرزق، والحقيقة أن الرزق كفله الله على وجه هذه البسيطة.

 

لكن يبقى الاجتهاد والسعي هما سُنة الحياة، فقد قال عمر بن الخطاب إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة. فهذا السعي يؤدي بنا إلى عمارة الأرض، التي أوكل الله هذه المهمة إلى بني آدم.

 

فنجد الأرض أصبحت وطنا وأصبح ساكنوها شعوبا، فظهر تعريف المواطن الذي يقوم بدوره الاقتصادي في عمارة الأرض. فقد تميز سكان بعض الأوطان ببعض المهارات، وكانت حملات الاحتلال في الفترة الماضية لها دور في ترسيخ طابع التميز، حتى أصبحت جنسيات على الحقيقة وليس مهارات حقيقية.

 

الدور الاقتصادي الذي لعبته الدول المحتلة خلال تلك الفترة، هو التأكد من ترسيخ قناعات معينة لصالحها عند الشعوب تبقى بعد رحيلها. بما يضمن دورها الاقتصادي في البلدان التي تنوي الخروج منها، جاعلة منها المقصد الاقتصادي الأول للدول التي زرعت فيها جيناتها الاقتصادية.

 

فمثلا تجد ميول منطقة الهند والخليج الاقتصادية إلى بريطانيا، وتجد ميول منطقة المغرب العربي إلى فرنسا. رغم أن هذه الدول العظمى لم يعد لها ثقل اقتصادي حقيقي بين قريناتها اليوم.

 

شهدت دول المنطقة في آسيا وأفريقيا نموا اقتصاديا وتطورا ثقافيا، جعل من بعض هذه الدول تتقدم على الدول التي سبقتها. فتجد اليوم ألمانيا المحتلة بعد الحرب العالمية أكثر تقدما من فرنسا، وتجد الهند أصبحت مركزا لشركات نظم المعلومات.

 

حتى أصبح اليوم الخبراء في أوروبا وأميركا هُم الألمان والهنود والمصريون والعراقيون. فالتقدم والخبرة والتطور ليست جنسية لكنها حقائق ونتائج وليست تاريخا وثقافة وقناعات ملقحة.

 

اليوم نجد أن الثقافة هي المسيطرة على المسؤول الخليجي، فينظر إلى الأوروبي بعين الخبرة والعلم، في المقابل ينظر إلى ابن بلده بنظرة أقل من ذلك. طبعا هذه النظرة أصبحت عدوى عند المسؤولين الآخرين غير المواطنين خاصة، بل أكثر من ذلك أصبحنا نجد من يغذي هذه الأفكار لتصبح داء في سوق العمل!!

 

إن عدم تقدير واستخدام الخبرات الوطنية ينتهي بها أما بهجرتهم كما حدث في دول مثل مصر والعراق، أو أن ينتهي بوأد هذه الخبرات وفقدانها إلى الأبد. فنكون قد اسقطنا عظماء وحرمنا انفسنا والعالم من إنجازاتهم وعلمهم وخبراتهم..

 

ونحن لا نعرف أنهم عظماء. اليوم ما يميز الغرب هو البيئة التي تعطي المساحة من التقدير والإنجاز للعقول والإبداع. فيكونوا بمثابة البطاريات الاقتصادية التي تولد طاقة اقتصادية تجعل الأوطان مزدهرة بألوان الثروات.

 

ختاما، تبقى هذه طبيعة الناس، فقال العلماء أكثر الناس زهداً في علم العالم جيرانه، وقد يأتيه الناس من أقصى الأرض. وقال أهل العلم أشد الناس زهداً في الكعبة أهل مكة، يصلون في مساجدهم والكعبة تضرب لها أكباد الإبل من مشارق الأرض ومغاربها.

الأكثر مشاركة