السلطة الأميركية والإرادة اليهودية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الهوية السياسية للقس الأميركي تيري جونز، غير خفية. فقد أصدر كتاباً اختار له عنوان: "الإسلام هو الشيطان"، قبل أن يقدم على إحراق المصحف الشريف في مشهد علني. وكذلك هوية نيقولا باسيلي، الذي قام بإنتاج الفيلم المسيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك بالطبع هوية أعضاء الفريق الذين شاركوا بدور أو آخر في إنتاج الفيلم.

لكن يبقى سؤالان:

أولا؛ هل هؤلاء جميعاً تصرفوا ويتصرفون على نحو أحادي كمجرد أفراد أم أن وراءهم قوى تنظيمية تمارس أنشطة منهاجية ضد الإسلام والمسلمين؟ وما هي الهوية السياسية لهذه القوى؟

نجد إجابة على هذا السؤال في سياق مقالة نشرت باللغة الإنجليزية للبروفيسور طارق رمضان، الأستاذ في جامعة أوكسفورد، حيث ذكر أن الاستفزازات الموجهة ضد الإسلام والمسلمين، تقف وراءها جماعات وشخصيات في الولايات المتحدة، تستغل بصورة قبيحة حرية التعبير لتحقيق أهداف مسمومة للترويج للكراهية والعنصرية والازدراء. وللمزيد من التوضيح، يضيف البروفيسور طارق: إن هذه الجماعات والشخصيات تتمتع بالثراء والارتياح في مجتمعاتها الثرية، لتمارس أنشطتها على حساب ديانة يدين بها آخرون في مجتمعات أقل حظاً في الثراء والرفاهية.

لكن رغم هذه الإشارات الصادقة والذكية، فإن الكاتب لم يشأ أن يسمي هذه الجماعات والشخصيات. غير أنه بعد بضعة أيام من نشر المقالة، ظهرت إلى العلن ـ ربما للمرة الأولى في الولايات المتحدة ـ جماعة منظمة، تطلق على نفسها "المبادرة الأميركية للدفاع عن الحرية"، كتنظيم معادٍ للإسلام والشعوب الإسلامية علناً.

وهكذا ظهرت في وسائل الإعلام رئيسة التنظيم "باميلا غيلر"، عندما دشنت حملة تصف فيها المسلمين بأنهم قوم متوحشون.

لكن الإشارة العظمى التي تدلل على الهوية الحقيقية، تتجلى في الشعار الرئيسي الغالب في حملة السيدة غيلر.. ألا وهو: "ادعموا إسرائيل وأسقطوا الجهاد".

هذا بدوره يعيد إلى أذهاننا تنظيمين راسخين داخل السياسة الأميركية: تنظيم اليمين الأميركي المتطرف المعروف باسم "المسيحيون التوراتيون"، وتنظيم "أيباك" وهو اسم مختصر بالحروف الإنجليزية، حيث إن الاسم الكامل هو "اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة". وعلى هذا النحو تنظيم يضم في عضويته القيادات العليا للمنظمات اليهودية ـ الأميركية.

هذا يقودنا إلى السؤال الثاني، وهو: لماذا تعزف السلطة الحاكمة الأميركية عن اتخاذ أي إجراء عقابي ضد القس تيري جونز ونقولا باسيلي، ومعه الشخصيات الأخرى التي شاركت في إنتاج الفيلم المسيء إلى الإسلام ورسول الإسلام الكريم؟

إدارة الرئيس أوباما انتقدت الفيلم وأدانت إنتاجه وعرضه، لكنها تقول إن يديها مغلولتان، إذ إن هؤلاء لم ينتهكوا قانوناً. ولذا فإن الإدارة الأميركية لم تجد مبرراً قانونياً لاتخاذ إجراء ضد مواطنين لم يفعلوا شيئاً، سوى أنهم مارسوا حقهم في حرية التعبير.

حقا؟ هنا نحيل القضية إلى الكاتبة الصحافية البريطانية الجريئة "ليندا هيرد"، وهي جرأة لن يقدم عليها أي أميركي، بما في ذلك رجال السلطة الحاكمة.

في مقالة صحافية صريحة، أشارت الكاتبة إلى قانون أميركي صدر في عام 2004، بعد أن أجازه الكونغرس الأميركي، بشأن معاداة السامية، يعرِّف الشخص المعادي للسامية بأنه الشخص الذي يعبر عن شعور قوي معادٍ لقادة إسرائيل في الماضي والحاضر، ويشير إلى حقائق تشكك في عدد ضحايا المحرقة اليهودية البالغ ستة ملايين. كما أن القانون يجرم أي انتقاد موجه إلى الديانة اليهودية أو زعاماتها الدينية.

وهنا تتساءل السيدة هيرد: لماذا لا توسع السلطة الأميركية نطاق هذا القانون، لحماية مشاعر معتنقي كافة الديانات بما في ذلك المسلمون؟

نفهم إذن، لماذا لن تجرؤ إدارة الرئيس أوباما على أي تحرك ضد من يسيئون إلى المسلمين وعقيدتهم. فالإساءات والاستفزازات في هذا السياق، تنبع من إرادة يهودية هي السلطة الحقيقية من وراء السلطة المرئية.

 

Email