ثقافتنا تجاه نظام التأمين الصحي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما أنا جالس في قاعة انتظار المستشفى حتى يحين موعدي مع الطبيب، وإذا بي اسمع ضجيجاً وجلبة في الغرفة المقابلة. خرج المريض في حالة غضب شديد وطفق يصب جام غضبه على شركة التأمين لعدم حصوله على الموافقة لطلب إجراء عملية. ولم يكتف بذلك، بل شمل جهة عمله، موجها أصابع الاتهام اليها بسبب تعاقدها مع شركة التأمين المعنية.

قد يتكرر المشهد المذكور في أكثر من عيادة أو مستشفى، لكن أين منبع الخلل؟ وهل يوجد خلل أم هي فقط عملية إدراك منظومة التشابك بين الأطراف الأربعة: المريض، المستشفى، شركة التأمين، وجهة العمل؟!

الطرف الأول والذي يعتبر حجر الأساس لتفعيل المنظومة هو المريض. فعند تعرض الفرد أو أسرته لعرض أو مرض ما؛ يتوجه في معظم الأحيان إلى المستشفى أو العيادة، بغض النظر عن شدة الأعراض أو نوعها.

بمجرد دخول المريض يبدأ تفعيل الطرف الثاني (المستشفى). هناك ثلاث محطات يمر فيها المريض داخل المستشفى: غرفة الطبيب، ومركز الفحوصات (دم أو أشعة)، والصيدلية.

الملفت في الأمر ان كل محطة تعتبر مصدر دخل للمستشفى، فالبتالي يؤخذ بالمريض وبشكل شبه إلزامي الى كل محطة، سواء كان المرض زكاماً او مرضا عضالا. من ثم يتوجه المريض الى منصة الدفع، وأول سؤال يكون: "عندك بطاقة التأمين؟" في معظم الأحيان تكون الإجابة نعم، ويتم إعطاء البطاقة، وبها يفّعل الطرف الثالث (شركة التأمين).

المضحك المبكي ان هرم المحطات الثلاث يكون مقلوباً عند شركة التأمين. بمعنى ان كل محطة تعتبر مصدر استنزاف، فالبتالي تحاول الشركة قدر المستطاع طلب تقارير من المستشفى لتبرير كل استشارة وفحص ودواء، وعند التأكد يتم دفع الفاتورة من قبل شركة التأمين للمستشفى.

هنا يجب ملاحظة نقطة مهمة، وهي ان ربحية المستشفى تعتمد على إبراز اكبر عدد من الفواتير، بالمقابل ربحية شركة التأمين تعتمد على دفع أقل عدد من الفواتير. إذاً فإن المستشفى وشركة التأمين يعتمدان على لعبة شدّ الحبل، والخاسر الأكبر في اللعبة هو المريض. ولكن من أين أتت شركة التأمين بهذه الأموال؟

الطرف الرابع (جهة عمل المريض) هي مصدر هذا التمويل، وهنا بيت القصيد، فجهة العمل هي التي تدفع عن كل موظف وعائلته جميع المبالغ المترتبة على استخدام المرافق الصحية (من خلال شركة التأمين). إذن أين المشكلة؟ طبيعي ان جهة العمل تتكفل بعلاج وصحة موظفيها وعوائلهم!

هناك تداخل معقد بين الأطراف الأربعة. سأذكر نوعين من التداخل والأثر المترتب لكل منهما.

النوع الأول هو عندما يكون المريض مصدر الاستنزاف نتيجة كثرة استخدامه للمرافق الصحية، سواء لمرض بسيط أو عضال. هذا سيزيد من فواتير المستشفى بشكل كبير، وبالتالي مطالباته لشركة التأمين ستزيد.

وبدورها ستطالب شركة التأمين جهة عمل المريض بمبالغ أكبر لتغطية عجز التكاليف. النتيجة ان جهة العمل ستكون أمام خيارين عند تجديد عقد التأمين: إما دفع الزيادة مع إبقاء نفس المنافع للموظف، أو إزالة بعض المنافع لتقليل قيمة العقد.

خيار الزيادة سيرهق ميزانية العمل بشكل سنوي مثل كرة الثلج، والخيار الثاني (إزالة بعض المنافع) سيؤدي إلى موظف مستاء وناقم. إذاً ما العمل؟ هنا يؤدي كل واحد فينا دوره كموظف مسؤول عن سلوكه وتصرفاته. فليس كل مرض يحتاج المستشفى والاختصاصي، وليس كل عارض يحتاج أغلى المرافق الصحية.

النوع الثاني من التداخل هو عند وجود مريض مثقف وذي سلوك مقنن في استخدام القطاع الصحي، لكن المستشفى أو العيادة يكون مصدر الاستنزاف. وهذه من التحديات الكبيرة.

فقيمة الاستشارة الطبية المبالغ فيها، والعدد اللانهائي من الفحوصات المطلوبة، مع الخروج من المستشفى بكيس أدوية أشبه بأغراض الجمعية، بالتأكيد ستحلق بفاتورة المستشفى إلى «العلالي»، ضاربة بميزانية شركة التأمين وجهة عمل المريض.

حديث ذو شجون، لكن هناك بعض الحلول تجاه التحديات المذكورة. سلوكنا تجاه المرض مهم. لا أعني عدم الذهاب إلى الطبيب، لكن بعض الثقافة الصحية والتعامل مع الأعراض البسيطة بالاعتماد على النفس سيكون لهما دور إيجابي لجميع أطراف المنظومة.

وأخيرا وليس آخراً؛ سؤال الطبيب عن الغرض من كل فحص ودواء، وطلب جميع خيارات العلاج منه، سيقللان من استغلال المرافق الصحية لضعف المريض وعاطفته، وسيقننان من قيمة الفواتير الصادرة منها.

 

Email