الفيلم المسيء.. من المسؤول؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هكذا حصرت واشنطن القضية في النتيجة، وتجاهلت السبب. النتيجة تمثلت في تلك المظاهرات العنيفة التي هاجمت سفارات الولايات المتحدة في العديد من بلدان العالم الإسلامي، وأبرزها ما جرى في مصر وتونس والسودان واليمن.

والسبب هو عرض فيلم فيديو في أميركا وعلى الانترنت، عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، ينطوي على أقبح الإساءات إلى شخصه الكريم كرسول، وعلى الإسلام كدين، وعلى المسلمين كأمة. وكما هو معلوم، كان أول رد فعل هو ذلك الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية، وقتل خلاله أربعة دبلوماسيين أميركيين بينهم السفير الذي يترأس الطاقم الدبلوماسي.

لكن على مدى الأيام التالية، تبنت إدارة الرئيس أوباما حملة دعائية موجهة إلى الشعب الأميركي والعالم، تقوم على تجاهل تام للفيلم المسيء، لتركز فقط على "أمن" الدبلوماسيين الأميركيين في الخارج، وكأن ذلك هو المفتعل.

أخذ المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمتهم الرئيس، يقولون ويكررون القول من حين لآخر، بأن السلطة الحاكمة لا علاقة لها على الإطلاق بالفيلم المسيء من حيث إنه عملية إنتاج خاص، وأنه ليس في وسع الأجهزة الرسمية اتخاذ أي إجراء قانوني تجاه من قاموا بإعداد الفيلم وإنتاجه، أخذا بحرية التعبير المنصوص عليها في الدستور الأميركي.

ربما يبدو هذا التعليل مقبولاً ومعقولاً، ولكن هنا يبرز تساؤل: ماذا فعلت السلطة الأميركية في مواقف سابقة في الإساءة إلى الإسلام والمسلمين كان متاحاً فيها للسلطة أن تتدخل قانونياً؟ في أحد هذه المواقف قامت مجموعة من جنود المارينز الأميركيين العاملين في أفغانستان، بالتبول على أجساد قتلى من عناصر طالبان. وبلغ استهتار أولئك الجنود الأميركيين محاكمة عسكرية، وأن المحكمة ثبتت لها صحة الواقعة، إلا أنها اكتفت بتوجيه "خطاب تأنيب" إلى الجنود.

 وفي الأسبوع الماضي أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أنه لم يكن لدى الجنود "قصد جنائي". كذلك أعلنت الوزارة أنه لن توجه أي اتهامات جنائية ضد مجموعة جنود آخرين، قاموا بإحراق 500 مصحف من القرآن الكريم. ووصفت وزارة الدفاع الأميركية الحادث بأنه "مجرد إهمال".

قبل عرض الفيلم المسيء لرسول الإسلام عليه أفضل الصوات والتسليم، قام قس أميركي بحرق المصحف الكريم في مشهد علني داخل الأراضي الأميركية. والسؤال الأكبر الذي ينبغي أن يطرح هو: هل كان لمثل هذه الأحداث أن تدبر وتنفذ لولا "استراتيجية مكافحة الإرهاب" التي ابتدعتها إدارة بوش الابن وتبنتها من بعدها إدارة أوباما؟

على مدى سنوات العقد الأخير، صار من الثابت والواضح والفاضح، أن هذه استراتيجية موجهة ضد الإسلام والمسلمين حصراً. حروب أميركا لا تستهدف سوى دول إسلامية، بذريعة كاذبة (أسلحة الدمار الشامل) شنت حرب ساحقة وماحقة على العراق، راح ضحيتها ما يقارب المليون إنسان عراقي، مع أن بطلان الذريعة الكاذبة كان مفضوحاً سلفاً، إذ لم يكن لدى الإدارة الأميركية أي دليل لتبرير العدوان.

والحرب الدائرة حالياً في أفغانستان دخلت عامها الحادي عشر، بحجة أن تنظيم "القاعدة" الذي كان يستضيف قيادته نظام طالبان الحاكم، هو المسؤول عن تدبير وتنفيذ تفجيرات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة.. علماً بأنه حتى الآن، لم تتمكن السلطات الأميركية من تقديم أي من عناصر "القاعدة" المعتقلين لديها إلى محاكمة.

وفي هذه الأثناء دخلت الحرب الأميركية عهد الطائرات القاتلة دون طيار.. وهكذا لا ينقضي أسبوع دون أن يسمع العالم عن هجمة بهذا النوع من آلات الحرب الحديثة، في باكستان أو اليمن أو الصومال.

وأعداد الضحايا حتى الآن تحسب بالآلاف، وغالبيتهم العظمى مدنيون. وعلى صعيد مختلف، تتواصل حرب "العقوبات". وبينما تستهدف هذه الحرب النوعية عشرات من دول العالم، فإن الغالبية العظمى هي دول إسلامية.

والسؤال الذي ينبغي أن يطرح: ما هي نتائج الاستراتيجية الأميركية المضادة للإسلام والمسلمين باسم "مكافحة الإرهاب"؟

النتيجة الكبرى هي أنها أدت إلى خلق مناخ قبيح معادٍ للمسلمين داخل الولايات المتحدة نفسها، يفرز أفعالاً وأحداثاً بالغة العدوانية، من قبيل إنتاج الفيلم المسيء لنبي الإسلام، وإحراق المصحف الشريف علناً.

ومهما أعلنت نخبة الطبقة الحاكمة في أميركا أنها ليست مسؤولة عن مثل هذه الأفعال والأحداث، فإنها تتحمل كامل المسؤولية عن خلق المناخ الذي يشجعها ويهيئ لتدبيرها الشرير.

 

Email