كيف نواجه الحقد والكراهية وثقافة التضليل؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثار الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، ردود أفعال كثيرة وعديدة في العالم الإسلامي والعربي وفي عواصم عالمية عديدة، كما حرك الشارع من نواكشوط إلى جاكرتا. وجاءت ردود الأفعال في مسيرات ومظاهرات، منددة بالإهانة والإساءة وعدم احترام المعتقدات والرموز الدينية. وفي بعض الأحيان جاءت الردود عنيفة، حيث أدت إلى حرق سفارات وحدوث اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين.

بعد الذي حدث وشاهده مئات الملايين من البشر عبر العالم، تثور أسئلة عديدة: وماذا بعد رد الفعل؟ وماذا بعد المظاهرات والمسيرات ومشاعر الاستياء؟ هل من استراتيجية عمل واضحة المعالم للرد على الآخر وإقناعه بأن مفهومه ونظرته وفكرته عن الإسلام والمسلمين، مليئة بالأخطاء وعمليات التشويه والتضليل والتحريف والصور النمطية، وأن مثل هذه الأفكار والمواقف لا تساعد على حوار الحضارات والديانات والثقافات والشعوب؟ هل من برامج لمحاورة الآخر والتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلّم؟

هل من كتب ودراسات وأبحاث عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم باللغات المختلفة في العالم؟ هل من خطة وآلية عمل لتوزيع وإيصال هذه الدراسات والكتب والمواد العلمية إلى جميع أنحاء العالم؟ هل من مواقع على الانترنيت تقوم بالرد والتعريف وتوفير المعلومة والرد على الأسئلة؟ هل من أفلام على شاكلة "الرسالة" أُنتجت بلغة الآخر ووٌزعت عليه؟ هل من قنوات اتصال بين مراكز الأبحاث والمعاهد والجامعات العربية والإسلامية، ونظيراتها في الغرب؟ أين هو دور السفارات ودور المراكز الثقافية ودور المعارض الدولية؟ أين هو حوار الديانات والحضارات؟

الموضوع إذن، لا يتعلق بمسيرات ومظاهرات وحملات تنديد واستياء، الأمر أكثر خطورة وتعقيدا، حيث إنه يتعلق بتصحيح أفكار ووجهات نظر وصور نمطية، والرد عليها بطريقة منهجية منظمة ومتسقة ومستمرة، وليست قاصرة على المناسبات وعندما يٌساء إلى الإسلام ورموزه وإلى المسلمين والعرب.

مع الأسف الشديد، الإساءة إلى الإسلام والمسلمين والعرب في الآلة الإعلامية الغربية، أصبحت ومنذ زمان بعيد، جزءاً لا يتجزأ من فبركة وصناعة الوعي والواقع والرأي العام. والإعلام العربي في القرن الحادي والعشرين، إعلام سلبي منهزم دفاعي.

وهو بذلك إعلام ينتظر الهجوم، الفعل من قبل الآخر، ثم يقوم برد الفعل لفترة محددة، ثم يعود ويخلد للروتين والراحة والنوم. إن محاورة الآخر وتزويده بالصورة الحقيقية عن الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم وتاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية، عملية يجب أن تكون دائمة ومستمرة وبدون انقطاع، وهي مسؤولية كل مسلم في هذا العالم، كل حسب موقعه وإمكانياته وقدراته.

فالصراع بين التشويه والتضليل والتلاعب بمعتقد ودين الآخر والحقيقة والواقع، ليس وليد البارحة، والمسلمون مع الأسف الشديد لم يتعلموا الدرس. فالإساءة إلى الإسلام والمسلمين والعرب، تمت وتتم بطريقة منسقة ومنظمة، من خلال المنتجات الإعلامية والصناعات الثقافية الغربية، حيث ظهرت في الأفلام والمسلسلات والأخبار والتقارير اليومية، والدراسات والتحليلات والتعليقات، وحتى الكتب المدرسية.

فالأمر إذن، لا يجب أن يتوقف عند مسيرات ومظاهرات الاستياء والغضب والاستنكار، بل إن ردود الأفعال يجب أن تكون انطلاقة منهجية منظمة ومستمرة لعمل طويل المدى، بهدف التواصل والحوار مع الآخر، من خلال الفكر والعلم والمنطق والتاريخ والأدلة والحجج والبراهين.

وأحسن طريقة للرد على الصور النمطية والتشويه والتضليل والتلاعب بالحقائق، هي إعطاء البديل وتقديم الدليل القاطع وتوفير المعلومة، حتى تتم عملية القضاء على الإشاعة وتصحيح المغالطات والتشويه والتضليل والتحريف المتعمد.

يجد العالم العربي والإسلامي، بمؤسساته الإعلامية والعلمية والفكرية والثقافية وبرجال دينه ودعاته، نفسه أمام تحديات جسام ورهانات كبيرة جدا، لأن عمليات الإساءة والتشويه والتضليل والتلاعب لا ولن تتوقف، من تدنيس المصحف الشريف في غوانتانامو، إلى إهانة المساجين في نفس السجن، إلى الإهانات المتكررة للعراقيين في سجن أبو غريب، إلى عمليات التعذيب والاعتداءات الوحشية التي مارسها جنود بريطانيون ضد صبية عراقيين.. و

هذا يعني أن الصناعة الإعلامية والثقافية العربية والإسلامية، يجب أن تتبنى استراتيجية دائمة ومستمرة ومنظمة، في تقديم الصورة الحقيقية للإسلام وللحضارة الإسلامية والعربية. كما يجب أن نلاحظ هنا، استخدام مبرر حرية الرأي والتعبير، للدفاع عن منتهكي حرمات الآخرين والمتلاعبين بأخلاقيات العمل الإعلامي.

وهذا الانحياز الأعمى للتضليل والتشويه، يجب أن يؤخذ بجدية لأنه يعني الكثير، والأمر لا يتعلق بحرية التعبير وليس مجرد تجاوزات هنا وهناك ومن حين لآخر، وإنما هو أخطر من ذلك بكثير، ويتطلب وقفة جادة من قبل منظمة التعاون الإسلامي والمؤسسات الإعلامية والثقافية في جميع الدول الإسلامية، كما يتطلب استراتيجية واضحة المعالم وخطة طويلة المدى، لتسويق الصورة الحقيقية للمصطفى عليه الصلاة والسلام وللدين الحنيف وللحضارة العربية الإسلامية.

التحدي لا يجب أن يتوقف عند مسيرات التنديد والإساءة، وإنما يحتاج إلى فعل منهجي علمي واستراتيجي، مبني على المنطق والحجج والبراهين، ويعتمد لغة الآخر ولغة العصر. فالأمة الإسلامية، وأكثر من أي وقت مضى، يجب أن تتخطى مرحلة رد الفعل إلى المبادرة والفعل، فالأمة الإسلامية مطالبة بأن لا تتوقف عن عملية تعريف الآخر بالمصطفى وبالأنبياء والرسل جميعا، وبالدين الحنيف، وبالقرآن الكريم ومعانيه وقيمه وأحكامه.

كما من واجب الأمة الإسلامية كذلك نشر الرسالة والدعوة وتاريخ الحضارة العربية الإسلامية، وعالمية الدين الإسلامي ومحاسنه وأفضاله على الإنسانية جمعاء، وفتح وتبني قنوات حوار الأديان والثقافات، عندئذ تراهم يدخلون في دين الله أفواجا ويدركون حقيقة ما كانوا يجهلون.

فالمتلاعبون بالعقول يراهنون على التشويه والتضليل والدعاية لنشر صورة معادية للإسلام، من أجل تجنيد الرأي العام العالمي للوقوف ضد العرب والمسلمين، لحساب تجار الحروب وأعداء الأمن والسلام والإنسانية.

 

Email