الانتخابات الأميركية والسياسة الخارجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

سقطت الشؤون الخارجية من خريطة كل من المرشحين للرئاسة الأميركية، وقد أوضحت ذلك تماما الخطط التي ألقياها في مؤتمري الترشيح، رغم أن علاقات أميركا بباقي العالم لها تأثير مباشر لا سبيل لإنكاره، على القضايا الاقتصادية التي وضعها المرشحان في صميم حملتيهما.

لا يمكن أن يكون هنالك دليل على تلك اللامبالاة، أوضح من إغفال الديمقراطيين للإشارة في مؤتمرهم الوطني، إلى اعتراف الحزب بالقدس عاصمة لإسرائيل. فعلى امتداد سنوات طويلة كان هذا التأكيد متداولا بالنسبة للحزبين كليهما، ولم يختلفا عليه.

ويحرص الإسرائيليون على التشديد على أن القدس الغربية جزء من إسرائيل، ويذهبون إلى القول إنها تقع على الجانب الإسرائيلي من الخط الأخضر الذي فصل الأراضي عام 1949 في أعقاب الحرب العربية ـ الإسرائيلية. وهكذا فإن المتحمسين لإسرائيل يرون أن إسقاط هذه الإشارة، كان شيئا يوحي بالارتباك والإهمال. وهذه الإشارة تمكن الجمهوريين من الترويج لحجتهم القائلة إن الرئيس الأميركي باراك أوباما ليس صديقا لإسرائيل، وهكذا فإن الديمقراطيين اللذين استبد بهم الحرج، أعادوا صياغة موقفهم في إطار آخر.

يقول المتحمسون لإسرائيل إن هذا الموقف لا يكبد أميركا أي مال، ولكن العديد من القضايا الخارجية الأخرى تكبدها الكثير من المال، وبصفة خاصة أفغانستان. وقد لاحظ الكثيرون أن المرشح الجمهوري ميت رومني، لم يذكر أفغانستان على الإطلاق في خطاب قبوله ترشيح الحزب الجمهوري له لخوض الانتخابات الرئاسية. وقد قتل على الأقل ثلاثة جنود أميركيين ومن قوات ناتو، خلال فترة انعقاد المؤتمر الجمهوري. وفي كل مرة يموت جندي، فإن الصحيفة الصادرة في موطنه تحمل تقريرا في الصفحة الأولى غالبا عن مصرعه.

لقد تعثر رومني في ما يتعلق بأفغانستان، تماما كما فعل بالنسبة للكثير من الأشياء الأخرى، وقد وصف ذات مرة أوباما بأنه "ساذج" لقيامه بسحب القوات الأميركية من أفغانستان، ولكنه غير موقفه فجأة عندما أدرك أن الغالبية الكاسحة من الأميركيين، بل ومعظم الجمهوريين، يريدون إنهاء الحرب هناك. ما علاقة هذا بالاقتصاد؟ لقد أنفقت الولايات المتحدة ما يزيد على تريليوني دولار على الحرب الأفغانية، وتواصل البنتاغون إنفاق حوالي 320 مليون دولار يوميا هناك، رغم أن هذه الحرب قد أصبحت بالفعل حربا خاسرة. وإذا كان رومني حريصا للغاية على تقليل العجز، فلماذا لا يذكر ذلك؟ لقد تباهى الرئيس أوباما في خطابه بالقول: "لقد رددنا قوة دفع طالبان على أعقابها في أفغانستان، وفي عام 2014 ستنتهي أطول حروبنا".

الأمر ليس كذلك، فوفقا لخطة أوباما، ستواصل الولايات المتحدة بعد 2014 الإبقاء على ما يتراوح بين 10 ــ 15 ألف جندي أميركي في أفغانستان إلى أجل غير مسمى، وبتكلفة مستمرة تقدر بمليارات الدولارات. ولما كانت البنتاغون تقر بأن الجنود الأفغان ليسوا مؤهلين للقتال اعتمادا على أنفسهم، فإننا ربما سنظل نشاهد سقوط خسائر في صفوف الأميركيين.

أما بخصوص رد قوة دفع طالبان على أعقابها، فإن كل خبير تحدثت معه قد أبلغني بأن المسلحين التابعين لطالبان، ينتظرون فحسب على الجانب الباكستاني من الحدود إلى أن تنسحب غالبية القوات الأجنبية. ورغم ذلك، فإن بعضهم لا يزال يرهب المدنيين الأفغان. وقبل أيام قلائل من خطاب أوباما، قام مسلحو طالبان بإعدام 17 أفغانيا، لأنهم واتتهم الجرأة على إقامة حفل تعزف فيه الموسيقى.

دعونا نفكر في قضايا خارجية أخرى تكبد أميركا أموالا طائلة، مثل أزمة الدين الأوروبي.. فبينما يواصل اقتصاد أوروبا تعثره، يستورد الأوروبيون سلعا أميركية أقل. وعادة فإن الأوروبيين يشترون ما قيمته 400 مليار دولار من المنتجات والخدمات الأميركية كل عام.

هل تريدون جعل الاقتصاد الأميركي يعمل مجددا؟ عليكم بإيجاد سبيل لمساعدة الأوروبيين. ولا بد من الإقرار بأن هذا ليس شيئا سهلا. وعندما أشار أوباما إلى أن الأوروبيين ينبغي أن ينشطوا اقتصاداتهم بدلا من مواصلة التشديد على التقشف، وجه الألمان النقد إليهم.

ولم يأت رومني على ذكر أوروبا أيضا، فقد قال: "نشاط الأعمال وزيادة الوظائف يتعلقان بالمخاطرة، حيث تكلل المبادرة في بعض الأحيان بالفشل وفي أحيان أخرى بالنجاح، ولكنها تتضمن المحاولة دائما".

ماذا عن محاولة مساعدة أوروبا أو الصين، التي تعد أكبر شريك تجاري لأميركا، والتي يتعثر اقتصادها أيضا؟

خلال العام الماضي صدّرت الولايات المتحدة سلعا قيمتها 104 مليارات دولار إلى الصين، ولكن مع تعرض الاقتصاد الصيني لمتاعب كبيرة، فإن تلك الصادرات ستتراجع بالتأكيد في الشهور المقبلة. ومع أوباما، فإننا نعلم، على الأقل، سياساته الخارجية، سواء أحببناها أم لم نحبها، ولكن رومني مزدوج المواقف، أو على الأقل يتعمد التزام الغموض. وفي كل مرة يخطو إلى مجال السياسة الخارجية فإنه يتعثر، وخلال رحلته الخارجية الأخيرة أهان البريطانيين، ثم الفلسطينيين، ثم خلال وجوده في بولندا أشاد بالنظام الأوروبي، رغم أنه كان في وقت سابق قد اتهم أوباما على نحو مرير، بمحاولة "تحويل أميركا إلى مجتمع استحقاقات على الطريقة الأوروبية".

هل هذا هو الرجل الذي نريده على رأس السياسة الخارجية الأميركية؟

Email