أميركا والرؤية الإنسانية للطرف الآخر

ت + ت - الحجم الطبيعي

مضى مؤتمر واحد، وأعقبه آخر. وعلى حد تعبير كلينت إيستوود في إحدى إطلالاته الأكثر نجاحاً: إنها نهاية الشوط الأول في أميركا. لقد شهدت تامبا أسبوعاً مذهلاً بلا شك، وأنا لا أتحدث عن الكراسي الفارغة أو البدلات الفارغة أو الخطابات الفارغة، كما شهدت شارلوت أسبوعاً لا يقل إثارة.

وفي مؤسسة "هافبوست"، تنقسم جهودنا المتعلقة بالمؤتمرين إلى أربعة أجزاء. أولاً؛ تغطيتنا للمؤتمرين نفسيهما. ثانياً؛ مبادرتنا للمساهمة في تقليص أزمة الوظائف من خلال التركيز على كل ما يجدي نفعاً، وهي المبادرة التي تتضمن حلقة نقاش ثنائية الحزب حول فرص العمل في كل من المؤتمرين، ومعرضاً للمشاريع، وقسماً في موقع "هافبوست" مخصصاً لمبادرة إيجاد فرص العمل الخاصة بنا.

ثالثاً؛ "مؤتمرا الظل"، بقيادة "هافبوست لايف"، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على ثلاث قضايا مهمة ومهملة إلى حد كبير من قبل حزبينا الرئيسيين: تأثير المال على نظامنا السياسي، والفقر المزمن في أميركا، والحرب الكارثية على المخدرات.

ورابعاً؛ "واحة هافبوست".. وجميع هذه الجهود تتشابك بعمق. وعلى نحو مشهود، حثنا "إي إم فورستر" في رواية "نهاية هاورد" على "أن نربط فحسب"، ولكن ليس من السهل دائماً معرفة نوع الروابط.

ولعلك تتساءل عن الرابط بين "واحة هافبوست"، التي تقدم خدمات اليوغا والتدليك والطعام الصحي والتأمل والاستشارات المتعلقة بالنوم، عبر كلية الطب في جامعة هارفارد، وتطبيق "نظام تحديد المواقع الخاص بالروح" الخاص بنا، وبين القضايا المهمة، مثل الفقر وأزمة الوظائف.

الرابط الأول والأكثر وضوحاً، هو أنه كلما كان الناس قادرين على رعاية أنفسهم بشكل أفضل، أصبحوا أكثر فعالية في رعاية غيرهم. وعلى سبيل المثال، فعندما تكون على متن طائرة، فإنه يطلب منك أن "تؤمن قناعك الخاص أولاً قبل مساعدة الآخرين"، بمن فيهم ابنك.

وبعبارة أخرى، فإنه ليس من السهل أن تساعد شخصاً ما على التنفس، حين تكون أنت نفسك تصارع من أجل الهواء. وكما سأل ألكسندر سولجينتسين في رواية "الدائرة الأولى": "إذا كنت تريد تصحيح العالم، فمن الذي ينبغي لك أن تبدأ به: نفسك أم الآخرين؟".

ويكمن الرابط الثاني في فوائد تخفيف التوتر ذاته، الذي، كما يظهر العلم على نحو متزايد، له انعكاسات على نطاق المجتمع. ووجد باحثون في جامعة "كارنيجي ميلون" أخيراً أن مستويات التوتر المبلغ عنها ذاتياً، على مدى السنوات الـ30 الماضية، ارتفعت من 10٪ إلى 30٪، والأشخاص الأكثر تضرراً هم النساء والشباب والفقراء. وارتفاع مستويات التوتر، يفضي إلى ارتفاع حالات مرض السكري وأمراض القلب والسمنة وارتفاع ضغط الدم.

ثم هنالك الطريقة التي يتحول من خلالها التوتر المزمن إلى آلية تمكّن الفقر من إحداث تغييرات مدمرة في نمو الدماغ. ووفقاً لغاري إيفانز وميشيل شامبرغ من جامعة كورنيل، فإن التوتر المزمن يمكن أن يضعف سعة الذاكرة العاملة لدى الأطفال، التي تعتبر ضرورية للتعلم والتطور.

والأمور الأكثر إثارة للقلق، هي النتائج التي توصل إليها بروس ماكوين من جامعة روكفلر، والتي تفيد، وفقاً لمجلة "وايرد"، أن "تأثيرات التوتر تحدث تغيرات في الجينات التي تنتقل لاحقاً من الآباء إلى الأبناء". وبعبارة أخرى، فإن "تأثيرات الفقر يمكن أن تكون وراثية".

وفي حقيقة الأمر، فإن التوتر حلقة مفرغة، ومن شأن التدخل في أي مرحلة من المراحل، وفي كل مرحلة من المراحل، أن يعود بالنفع. والمزيد المزيد من رواد عالم الأعمال، يدركون أهمية الحد من التوتر.

فقد كتب ديفيد جيليس في صحيفة "فايننشال تايمز" أخيراً، عن برنامج تنبيه الذهن في شركة "جنرال ميلز"، التي تضم غرفة للتأمل في كل مبنى من مباني مجمع "مينابولس" التابع لها. وتظهر برامج مماثلة في جميع أرجاء عالم الشركات، مع مبادرة ربع الشركات الكبرى إلى تقديم نوع معين من أنواع خدمات الحد من التوتر لموظفيها.

وتحدث ستيف جوبز إلى والتر إيزاكسون عن مزايا تنبيه الذهن بالنسبة للإبداع، فقال: "لو اكتفيت بالجلوس والمراقبة، لرأيت مدى اضطراب ذهنك. ولو حاولت تهدئته، لزادت الأمور سوءاً. ولكنه، مع مرور الوقت، يهدأ بالفعل، وعندما يفعل ذلك، تجد مجالاً لسماع أمور أدق، وحينها يأخذ حدسك في الازدهار، وتبدأ أنت في رؤية الأشياء بوضوح أكبر، والعيش في الحاضر بدرجة أكبر.

وحين يأخذ عقلك في التباطؤ، ترى فسحة هائلة في اللحظة. وترى أكثر بكثير مما كنت تستطيع رؤيته في السابق". وتعتبر رؤية الأشياء بوضوح أكبر خاصية في غاية الأهمية بالنسبة لأي شخص، بمن في ذلك القادة في كلا المؤتمرين الذين يتطلعون إلى إحداث تغيير من خلال السياسة.

وفي موقع "هافبوست"، كتب الدكتور جيمس دوتي، وهو أستاذ في جراحة المخ والأعصاب في كلية الطب بجامعة ستانفورد، يقول إنه في حين أن تنبيه الذهن في حد ذاته له فوائد عديدة، فإنه من أجل أن تظهر قوته الحقيقية، يجب أن يقترن بالتعاطف: "إدراك معاناة الآخرين، والرغبة في تخفيف تلك المعاناة".

وبالتالي فإن "واحة هافبوست" تهدف إلى مساعدة الناس على التعامل مع التأثيرات المدمرة لضغوطهم الحياتية بشكل أفضل، ومساعدتهم على أن يكونوا في أفضل حالاتهم، لكي يتمكنوا من الخروج إلى العالم وإحداث فرق في حياة الآخرين.

وأما بالنسبة للسعي وراء الهدف بعيد المنال المتمثل في التعاون بين الحزبين، فإنه يجب أن يبدأ برؤية إنسانية الطرف الآخر. ومن الصعب أن نرى إنسانية شخص آخر، ما لم نشعر بارتباطنا بإنسانيتنا الخاصة.

Email