أوهام الصحوة وواقعية السياسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قمة عدم الانحياز التي انعقدت في الثلاثين من شهر أغسطس المنصرم، وحضرها رؤساء ومسؤولون عن أكثر من مئة وعشرين دولة ومؤسسة إقليمية ودولية، بدت وكأنها الاستثمار الإيراني الأهم هذا العام، خاصةً وأن طهران كانت بحاجة ماسة للاستقواء بالحركة في مواجهة الحلف الأميركي- الأوروبي- الإسرائيلي، الذي يفرض عقوبات قاسية على إيران، ويهدد بعزلها، ومنعها من متابعة العمل على ملفها النووي.

ليس هذا فقط بل إن إيران التي احتضنت قبل بضعة أسابيع مؤتمراً محدود المشاركة لأصدقاء النظام السوري، كمعادل لمؤتمر أصدقاء سوريا الذي تدعمه الدول الغربية وعدد من الدول العربية، وبهدف حشد الدعم لنظام الأسد، الذي يتعرض من وجهة نظر إيران لمؤامرة أميركية صهيونية، نقول يبدو أن إيران أصيبت بما هو أكثر من خيبة أمل، الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، الذي راهنت عليه طهران، واعتبرت بأن نجاحه في الانتخابات الرئاسية يشكل الحدث الأبرز والأهم في سياق الصحوة الإسلامية التي تبشر بها، حرص في خطاب افتتاح قمة عدم الانحياز، على أن يظهر بوضوح الفوارق السياسية والمذهبية الأساسية التي تضع إيران ومصر على خطين متوازيين تقريباً.

خطاب الرئيس المصري تضمن قضايا الخلاف، وكأن الرئيس مرسي أراد أن يسترد من طهران دور ومكانة مصر الكبيرة، الذي افتقدته لعقود طويلة، وأن يرد على الرهان الإيراني الاستراتيجي برهان آخر بأن مصر الكبيرة، هي الموعودة لأن تكون قاطرة العرب والمسلمين، الأمر الذي يوحي ببداية ظهور محورين على مستوى الإسلام السياسي.

مرسي في خطابه أظهر مرونة واعتدالاً إزاء معاداة الولايات المتحدة وإسرائيل، وعبر عن التزام بلاده بالاتفاقيات والالتزامات المترتبة عليها، بما في ذلك اتفاقية كامب ديفيد، وأشار إلى أن مصر تدعم السلام في المنطقة، الأمر الذي يخالف السياسة الإيرانية التي تناصب أميركا وإسرائيل عداءً شديداً، وفي ذلك تمييز واضح "لوسطية" الموقف العربي والمصري بالتحديد، عن الرؤية الإيرانية.

وفي موضوع آخر، شن الرئيس مرسي هجوماً قاسياً على النظام السوري الذي اعتبره قمعياً وظالماً وفاقداً الشرعية، داعياً إلى إسقاطه، إذ كيف لأي سياسي أن يتوقع من رئيس مصر الإخواني أن يتعاطف ويدعم النظام الذي قمع حركة الإخوان تاريخياً في سوريا، ويخوض حربه ضدهم، في إطار الصراع الدموي الجاري منذ أكثر من عام ونصف العام؟

لقد اعتبر مرسي بخلاف ما يرى الإيرانيون أن الثورة في سوريا امتداد للربيع العربي، وليست مؤامرة أميركية صهيونية، هذا عدا عن أنه وضع "الثورات" العربية التي وقعت مؤخراً في سياق سياسي وليس ديني، فهي ثورات من أجل الديمقراطية والكرامة الإنسانية، ولم تكن بدوافع دينية أو في إطار الصحوة الإسلامية.

الإيرانيون الذين فوجئوا بما جاء في خطاب مرسي، وكانوا يعتقدون أن زيارته لطهران قد تؤدي إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ عام 1979، ردوا على ما ورد في الخطاب بأكثر من طريقة، فعدا عن قطع البث الحي للخطاب، جرت عملية تحريف لبعض مواقعه عند الترجمة من العربية إلى الفارسية، مما ألحق بمواقف مرسي تشويهات متعمدة.

على أن الرد الرسمي، وهو أشد فظاظة جاء لاحقاً من الخارجية الإيرانية، والأرجح أن يبقي العلاقات الإيرانية المصرية على خط الصراع، هذا الرد جاء على لسان نائب وزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام، الذي قال "لسوء الحظ يفتقد الرئيس مرسي للنضج السياسي الضروري ليرأس قمة حركة عدم الانحياز"، وأنه "ارتكب خطأً جسيماً بالاستفادة من منصبه كرئيس للقمة حين تجاهل مبادئ حركة عدم الانحياز".

تصريح شيخ الإسلام يعكس حجم الصدمة التي تلقتها طهران، فهو كان يتوقع من الرئيس مرسي أن يمالئ القيادة الإيرانية التي ينعقد المؤتمر على أرضها وأن يتوخى الحذر في التعامل مع قضايا الخلاف بين دول أساسية في الحركة وبضمنها الدول المضيفة.

في الواقع فإن إيران لا تستطيع وليس من مصلحتها تجاهل ما ورد في خطاب رئيس الدولة العربية الأكبر، وهو ينتمي إلى اتجاه قوي في حركة الإسلام السياسي، الأمر الذي يرتب عليها حتى من موقع المصلحة الإيرانية، أن تعيد النظر في حساباتها واستراتيجياتها السياسية الخارجية.

 

Email