الطغاة وبرامج الرعاية الصحية

ت + ت - الحجم الطبيعي

توفي الدكتاتور الإثيوبي ميليس زيناوي أخيراً في مستشفى في بروكسل، فلِم لَم يحصل على الرعاية الطبية في بلاده؟ ألقوا نظرة على حالة شعبه الصحية، وستفهمون السبب في ذلك.

تقدم الحكومة الإثيوبية التطعيمات لما لا يزيد على 5% من أطفالها، ونسبة الأطفال الذين يتلقون المضادات الحيوية عند إصابتهم بالالتهاب الرئوي تقل عن ذلك، وفقط 20% من الفتيات المراهقات يتم تثقيفهن بشأن الإيدز. فهل من عجب أن متوسط العمر المتوقع في إثيوبيا هو 56 عاماً ويعد من أدنى المتوسطات على مستوى العالم؟

منذ أحد عشر عاماً، وقعت 53 دولة إفريقية تعهداً بإنفاق 15% على الأقل من ميزانياتها الوطنية على الرعاية الصحية، ولم تلتزم أي من تلك الدول تقريباً بذلك التعهد. وفي الوقت الراهن، تخصص إثيوبيا 3,6% من ميزانيتها للصحة، ولذا فإن سفر رئيس الوزراء إلى الخارج للحصول على الرعاية الصحية، لم يكن مفاجئاً.

في الواقع، فإنه متى مرض رئيس أو ملك في العالم النامي، فإنه يسافر إلى دولة أكثر تقدماً للحصول على الرعاية الصحية هناك. ويكشف ذلك بجرأة نظرة الإهمال التي ينظر بها هؤلاء القادة إلى شعوبهم. ولعلهم لو كانوا ملزمين باستخدام مستشفياتهم الخاصة، لمالوا إلى تحسينها بدرجة أكبر. ويجد العديد من هؤلاء أنهم لا يستطيعون ركوب الطائرة دون مواربة كما فعل زيناوي، وغالباً ما يتطلب الهروب التخفي والخداع.

ومنذ وقت ليس ببعيد، أراد الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري السفر إلى الخارج لعلاج مشكلة صحية بسيطة، فأمر الأطباء في مستشفى كراتشي بتزوير تقرير يفيد أنه يعاني من مرض أكثر خطورة، هو سرطان البروستاتا. وألقى الدكتور غيور أيوب، وهو المدير العام السابق الوطني للصحة، نظرة على نتائج المختبر، وأعلن على مدونته أن التشخيص كان «مثيراً للسخرية».. ولكن زرداري غادر على أي حال.

وفي العام الماضي، قرر زرداري قضاء بعض الوقت في الخارج، وقال الناطق باسمه إنه ذهب لزيارة أولاده. ولكن، بعد دخوله المستشفى، اتضح أن تلك كانت كذبة. وأعلنت الصحافة الباكستانية الهائجة أنه كان يتلقى علاجاً لمجموعة من المشكلات المختلفة، بما في ذلك نوبة قلبية، وجلطة في الرقبة، ورد فعل دوائي خطير.

وبعد سفره بأسبوعين، بدأت وسائل الإعلام في الكتابة عن الرسالة السياسية التي كان زرداري يرسلها. وكتبت مجلة «بالس إنترناشونال»، وهي أبرز مجلات باكستان الطبية، تقول إن رحلة زرداري تلك أظهرت «انعدام ثقة في الرعاية الصحية الباكستانية بموظفيها ومؤسساتها» (وتبين أنه قد تعرض لسكتة دماغية خفيفة).

وليس زرداري وحيداً في ذلك، فمنذ أن تولى هوغو شافيز، رجل فنزويلا القوي، زمام الحكم في عام 1999، لم يتوقف عن التباهي بتحسينه الرعاية الصحية لشعبه. ولكنه عندما أصيب بالسرطان، طار إلى كوبا مرتين. وذلك بيان كاشف عن الطب في فنزويلا، ويقول الأطباء الكوبيون إنهم يكسبون نحو 24 دولاراً في الشهر.

وفي فنزويلا، تتعدد الشائعات التي تفيد بأن سرطان شافيز قاتل، رغم أنه ينفي ذلك. فهل يكذب؟ القرار عائد لكم. لقد قرر شافيز فجأة بناء ضريح بقيمة 140 مليون دولار لسيمون بوليفار، وهو القائد السياسي والعسكري الذي عاش في القرن التاسع عشر، ويوقره شافيز. وتشير الصحافة الفنزويلية إلى أن الضريح يتسع لشخص آخر على الأقل.

ومنذ مدة قصيرة، قام هون سين، رئيس وزراء كمبوديا، بزيارة الناخبين وأشار إلى أنه يعاني من جرح طفيف يحتاج إلى علاج. وقد أصر على أنه فقط في حال «قال الأطباء في كمبوديا إنهم لا يستطيعون معالجة الجرح، فإنه سيذهب إلى مستشفى في الخارج». ولم يشر إلى أنه قبل بضع سنوات، سافر إلى طوكيو للخضوع لما وصفته الحكومة بـ«فحص» مدته يومان. فهل يعجز الأطباء الكمبوديون حتى عن ذلك؟ وشأن غيره من الزعماء الذين يسافرون إلى الخارج، فإن أوضاع الصحة والرعاية الاجتماعية في بلاده، ليست أفضل من تلك السائدة في إثيوبيا.

يبدو أن الطغاة يسافرون دائماً إلى الخارج، لإجراء اختبارات أو فحوص بسيطة. وأصر نور سلطان نزارباييف، الرئيس الكازاخستاني، على أنه توجه العام الماضي إلى مستشفى ألماني للخضوع لـ«فحص»، على الرغم من أنه كان قد أصدر بياناً صحافياً يقول: «أقترح أن يخضع الجميع لفحوص روتينية هنا في كازاخستان». وذكرت صحيفة ألمانية أنه كان يعالج من سرطان البروستاتا.

وخلال الربيع الماضي، ذكرت صحيفة جنوب إفريقية أن قادة حكوميين من ملاوي والغابون وتوغو ونيجيريا وتنزانيا، لقوا حتفهم في مستشفيات أجنبية. ثم أشارت الصحيفة إلى الحقيقة التي يتعين على ناخبي كل من أولئك القادة أن يقفوا ويصرخوا بشأنها: إن رؤساء هذه الدول «يفضلون سكب أموال دافعي الضرائب على المرافق الطبية الخارجية، بدلاً من إنفاقها على تحسين مستوى الرعاية الصحية في بلادهم».

Email