مصر الثورة وعودة صندوق النقد

ت + ت - الحجم الطبيعي

قياساً على الدور الاقتصادي التدميري لصندوق النقد الدولي في مصر مبارك لا يمكن ألا تكون زيارة مديرة الصندوق للقاهرة قبل نحو أسبوعين سوى نذير شر مستطير.

الآن في عهد رئاسة مرسي تطلب مصر قرضاً من إدارة الصندوق بقيمة 4 مليارات و800 مليون دولار. بالطبع ليس الاقتراض في حد ذاته أمراً معيباً للدولة المقترضة لكن علينا أن نعيد إلى الأذهان أولاً أن الصندوق عادة ما يفرض شروطاً تفضي بالطرف المقترض إلى طريق ينتهي به إلى خراب شامل.

إجراءات القرض الذي تطلبه مصر لم تبدأ بعد بصورة رسمية. فالمناقشات التي أجراها الرئيس مرسي ورئيس الوزراء هشام قنديل مع مديرة الصندوق في القاهرة ليس سوى مفاتحة أولية. وما سيحدث بعد ذلك هو سفر رئيس الحكومة وفي معيته وزير المالية إلى واشنطن خلال سبتمبر للدخول في عملية تفاوضية رسمية حول تفاصيل القرض وطبيعته والشروط المرافقة له.

والسؤال الذي يُطرح هو: هل عند نهاية المطاف تقبل السلطة المصرية الجديدة التي أفرزتها ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 الشروط نفسها التي كانت تتعامل بها إدارة الصندوق مع نظام مبارك؟

علينا أن نستذكر أولاً أن صندوق النقد (الدولي) ليس دولياً. فهو الذراع المالية لسياسة الولايات المتحدة تجاه العالم. لقد أنشئ الصندوق في أربعينات القرن الماضي. وعقب إعلان إنشائه مباشرة قال عنه الاقتصادي البريطاني الشهير جون كينز إنه ليس سوى قسم في وزارة الخارجية الأميركية.

بهذه الصفة فإن الدور الأساسي للصندوق هو المزيد من الإفقار للدول النامية التي تقبل بتطبيق شروطه الإقراضية.

في مقدمة هذه الشروط سحب الدعم السعري الحكومي عن أسعار السلع الأساسية الضرورية وأولها الخبز. ومن بين الشروط الأخرى إجراء تخفيضات متسلسلة على قيمة العملة الوطنية. ويجري تطبيق الشروط في إطار خطة عامة لإجراءات تقشفية موجهة نحو القطاعات الشعبية من بينها خفض اعتمادات الرعاية الصحية والتعليم في الميزانية العامة وتخفيض أعداد الوظائف في مؤسسات القطاع العام.

مع ذلك ستجد الدولة المقترضة أن القرض الذي حصلت عليه من الصندوق لا يفي بالغرض المطلوب.

وفقاً لسياسته المرسومة لا يقدم الصندوق قروضاً ذات طبيعة تنموية طويلة المدى. فالقروض التي يقدمها تستهدف فقط تصحيح ميزان المدفوعات. لكن حتى هذا ينطوي على خدعة. فإدارة الصندوق تحرص على أن يكون مال القرض غير كافٍ حتى تضطر الدولة إلى اقتراض المزيد تلو المزيد.

وهكذا تتورط الدولة المقترضة في مديونية تزيد ولا تنقص. ومما يضاعف من وطأة هذه الورطة تضاعف أسعار الفائدة عند عجز الدولة عن مواصلة (خدمة الديون) أي السداد السنوي . ورويداً تتفاقم الورطة عندما تدخل الدولة المدينة مرحلة الاقتراض من أجل مواصلة سداد الديون.

ورويداً ومع تصاعد الفائدة المركبة تدخل الدولة المرحلة الثالثة: اضطرارها تحت ضغط إدارة الصندوق إلى الخصخصة.. أي بيع مؤسسات وشركات القطاع العام إلى رجال الأعمال في القطاع الخاص.

هكذا ينتهي دور الدولة في السيطرة على حركة الاقتصاد الوطني بتحول ملكيته إلى شريحة من أصحاب رأس المال الخاص من رجال أعمال محليين وأجانب مدينين إلى إدارة صندوق النقد الدولي ومرتهنين بالتالي إلى الهيمنة السياسية للولايات المتحدة. لقد رأينا المشهد بتفاصيله الكاملة في عهد مبارك لمدى ثلاثة عقود وكيف أدى المشهد المتحرك إلى شيوع البؤس المعيشي بين الطبقات الشعبية.

من أجل هذا اندلعت ثورة 25 يناير. فالمحرك الأساسي للثورة هو استرداد الكرامة الناتجة عن تفاقم البؤس.

بالطبع من المبكر إصدار حكم الآن على تحرك حكومة مرسي لإعادة التعامل مع صندوق النقد الدولي. لكن ألا تتبخر ثورة 25 يناير إذا عاد الصندوق إلى مصر بشروطه القديمة نفسها.

 

Email