دول «بريكس» ومشكلاتها الخاصة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما يناضل العالم للتعامل مع إحدى أكبر معضلات الشؤون الخارجية التي يواجهها، وهي سوريا، تقف دول "بريكس" بإصرار عائقاً في الطريق.

"بريكس" هو الاسم المؤلف من الحروف الأولى الذي يطلقه خبراء السياسة الخارجية على كتلة الدول التي عادة ما ترفض الانضمام إلى العالم الدبلوماسي متعدد الأطراف، والخاضع لهيمنة الولايات المتحدة والغرب، وهي تفتخر، في ما يبدو، بكونها معارضة. وتلك الدول هي: البرازيل وروسيا والهند والصين.

وتستخدم كل من روسيا والصين، بطبيعة الحال، حق النقض بصورة روتينية ضد أي قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي ينتقد سوريا، وهو ما فعلتاه أخيراً للمرة الثالثة.

وتفضل تلك الدول أن تقول إنها تطرح رأياً بديلاً مبدئياً على طاولة المفاوضات. في الواقع، انظروا إلى ما تفعله، وسترون أنها لا تهتم إلا بمصالحها الذاتية، ولا يبدو أنها تكترث لاهتمامات بقية العالم.

فمن يأبه، من منظور هذه الدول، إذا كان الرئيس السوري بشار الأسد يستمر في ذبح شعبه؟ إنها لا تأبه إلا لنفسها، ولكنها، حتى في ذلك الصدد، لا تحسن صنيعاً البتة. فالهند وروسيا والصين تواجه مشكلات داخلية هائلة لا ترغب في الحديث عنها.

فقبل بضعة أسابيع، على سبيل المثال، اعترف جايرام راميش، وزير الهند للصرف الصحي، بأن بلاده تشكل أكبر مرحاض مفتوح على مستوى العالم. وتظهر أحدث إحصاءات اليونيسيف، المتاحة من عام 2008، أن ما يقرب من ثلث أبناء الشعب الهندي، البالغ تعداده 1,2 مليار نسمة، يستطيعون استخدام المرحاض، بينما لا يجد 800 مليون شخص خياراً آخر إلا قضاء حاجتهم خارج بيوتهم. وتصف منظمة الصحة العالمية ذلك بـ"ممارسة الصرف الصحي الأخطر على الإطلاق".

وفي الوقت نفسه، فإن الاقتصاد الهندي يجعل نظيره الأميركي يبدو سليماً وقوياً. فقد خفضت "ستاندرد أند بورز" تصنيف الهند السيادي إلى "سالب بي بي بي"، الذي لا يبعد كثيراً عن التصنيف الأسوأ. وخلال الأسابيع الأخيرة، راحت وكالات التصنيف تهدد بخفضه إلى أقل من ذلك.

والآن، يعيش ثلث سكان الهند على أقل من 1,25 دولار في اليوم، ويعاني ما يقرب من نصف أطفالها من التقزم، بمعنى أنهم لا ينمون جسدياً أو عقلياً بسبب سوء التغذية في مرحلة الطفولة، ويعد ذلك المعدل من أعلى المعدلات في العالم. وكذلك الأمر بالنسبة لمعدل "الهزال"، أي الأطفال الذين يموتون جوعاً، ويبلغ 20%. ألا ينبغي على الهند أن تهتم بذلك كله، بدلاً من أن تهدر طاقتها على كونها دولة "بريكس" عنيدة ووحشية؟

أما مشكلات الصين فهي معروفة تماماً، فاقتصادها آخذ في التداعي من الداخل، رغم أن الاقتصاديين الصينيين والغربيين يقولون إن الحكومة تزور بياناتها من أجل التستر على الأبعاد الحقيقية للمشكلة. وفي تلك الأثناء، تشهد الدولة اضطرابات مستمرة. ووجد عدد من الاستطلاعات الداخلية الأخيرة للمواطنين الأكثر ثراءً في الصين، أن ما يتراوح بين 60% و80% من الصينيين الذين يملكون ما لا يقل عن 1,6 مليون دولار، يقولون إنهم يريدون مغادرة البلاد والابتعاد عنها.

وفي غضون ذلك، تشير تقديرات الحكومة الصينية إلى أن الصينيين نظموا العام الماضي ما لا يقل عن 180 ألف "حادثة جماعية"، وهو ما تطلقه الحكومة على الاحتجاجات المحلية الواسعة ضد الفساد ومصادرة الأراضي والتلوث والسلامة المهنية، وغيرها العديد من العلل الاجتماعية. ويعادل ذلك حوالي 500 حادثة يومياً. ويمكن لذلك كله أن يوحي مسبقاً بحدوث تغيير في النظام، في مرحلة ما في المستقبل غير البعيد.

ثم هنالك روسيا، حيث وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخيراً على مشروع قانون يصنف المنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلاً أجنبياً على أنها "عميلة للخارج"، مصرحاً بتنظيم تلك المنظمات تنظيماً اقتحامياً، بما في ذلك "أوكسفام" و"أطباء العالم" و"اللجنة الدولية للصليب الأحمر".

وليست تلك إلا أحدث حلقة في سلسلة مستمرة من التدابير القمعية التي يوقع عليها بوتين، مشيراً إلى إدراكه التام أن العديد من الروس، إن لم يكن معظمهم، يعرفون أنه سرق الانتخابات التي جرت في مارس الماضي، ولا يعترفون به كزعيم شرعي للدولة.

وفي غضون الشهرين الماضيين فقط، وقع بوتين على مشاريع قوانين تجيز فرض غرامات صارمة على الأشخاص الذين يتظاهرون ضده. وأعاد إحياء قانون يأمر بفرض عقوبات جنائية على "التشهير"، وهو المصطلح الذي يمكن أن ينطبق على أي شيء تقريباً، كما بدأ بفرض رقابة على مواقع الانترنت للمرة الأولى.

والمغزى هو أن دول "بريكس" الثلاث هذه، تواجه تحديات داخلية حارقة، تعتبر من أصعب التحديات في العالم. ولو أنها لم تكن أنانية ومولعة بالمعارضة على هذا النحو، لربما كانت بقية العالم على استعداد للنهوض وتقديم المساعدة.

 

Email