ما بين الحاكم والحكمة والتحكم

ت + ت - الحجم الطبيعي

اشتقت كلمة الحاكم من التحكم ومن الحكمة. واختير للحاكم هذه الصفة لأنه يتوجب عليه التحلي بالحكمة قبل فرض القانون. أما في منطقة الخليج فقد استخدم أهالي المنطقة كلمة (الشيخ).

وهي صفة تطلق على الرجل المتقدم في العمر حيث ذكرت هذه الكلمة في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة هود (قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا). والرجل الشيخ هو الرجل الذي اكتسب من العمر الطويل خبرة وعلما. وهما صفتان لازمتان للحاكم، وبهما يكتسب الحكمة، ولهذا يوصف المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بالحكمة.

وما ينطبق على كلمة الحاكم ينطبق على مصطلح الرئيس وما يماثله. فلا رئيس بغير حكمة كما أنه لا رئيس بغير سلطان. وفقدان (الحكمة) لدى بعض الحكام هي التي عجلت بنهايتهم. غير أن السقوط في حد ذاته لا يهم بقدر ما يهم الطريقة التي سقط بها.

أولا، الملوك والأباطرة الذين شقوا الأرض شرقا وغربا، لم يتمكنوا من البقاء على عروشهم أكثر من أعمارهم. وحتى هؤلاء ممن لجؤوا إلى توريث سلطاتهم إلى أبنائهم شعورا منهم بأنه نوع من استمراريتهم غيابا، لم يبقوا في عروشهم إلا لفترة قصيرة من الزمن ثم انقلبت عليهم سنة الحياة.

وانتقل الحكم إلى غيرهم. ويكفينا مثلا، قراءة تاريخ أكاسرة الفرس وتاريخ أباطرة الروم ومن جاء بعدهم، ولا أحوجنا من قراءة تاريخ أمراء الأندلس. غير أننا نجد أنه في نهاية كل حاكم من هؤلاء كان هناك خلل يكمن في إدارة شؤون البلاد والعباد.

اليوم، نرى بعض حكام بلدان الوطن العربي يفتقرون إلى الحكمة. ويقعون في أخطاء من سبقوهم في التاريخ، والأخطر من ذلك أنهم لفقر في الحكمة أو لضعف في بعد النظر الذي يعتبر من مقومات الحاكم الحكيم، يغفلون مهامهم الأساسية أو يضعونها في ذيل قوائم الأولويات والمسؤوليات التي تقع على عاتقهم؛ ألا وهي خدمة هذا الشعب والرقي به.

فلا يمكن اعتبار الحاكم راقيا ما لم يكن شعبه كذلك. وكلما قل قدر الشعب قل قدر حاكمه. لذا نجد أن الحكام الذين سقطوا، كانوا يحكمون شعوبا لا حول لها ولا قوة، تخلفت عن شعوب العالم الأخرى بمئات السنين الضوئية رغم إمكانياتها الهائلة.

حكمة الحاكم تتلخص في الرقي برعيته، وأن يضع جانبا مصالحه المحدودة. فمهما امتلك هذا الحاكم من أملاك الدنيا وأموالها، فهي بمثابة الأملاك المحدودة، ومهما طال عمر الحاكم، يظل عمره مجرد فترة زمنية محدودة تنتهي بموته أو بمقتله أو بانتحاره. وبالتالي، فلا مفر أمام الحاكم سوى تحسين أوضاع شعبه.

وإن لم يستطع أو واجه غضبا من أي نوع كان، فلا بد من التنازل وترك المسؤولية لمن هو خير منه. غير أن بعض الحكام فضل قتال شعبه متهما إياه بالخيانة مرة وبالطمع أخرى. إن حكمة الحاكم تتطلب التنازل فورا قبل أن تسيل قطرة دم واحدة حقنا لدماء شعبه وتضحية بنفسه للإبقاء على وحدة أمته وأرضه إن كان يحب شعبه وأرضه، واما فرضية الخيانة فيتحملها صاحبها فيما بعد.

إن ما يدور اليوم في بعض دولنا العربية من خطأ الإصرار على سياسة القتال والتدمير حتى الرمق الأخير، يرجع إلى خطأ آخر سابق له في كيفية توظيف حكمة الحاكم.

فمثل هذه الدول كان من الواجب أن يعمل حكامها مسبقا على وحدة الشعب قبل أن يثور. ووحدة هذا الشعب لا تكون إلا بمنحه بشكل عادل ونزيه قوة المشاركة في بناء الدولة. ولما يؤسف له أن العديد من نواب البرلمانات العربية يملكون المقعد الخشبي ولا يملكون كلمة الحق. وهذا سبب ما رأيناه يحدث في تونس وفي مصر وفي ليبيا وفي اليمن واليوم في سوريا.

لغياب الحكمة، خسر بن علي ومبارك والقذافي وصالح واليوم الأسد كل ما امتلكوه في غمضة عين، وسوف يكتب عنهم التاريخ ما لن يرضاه أحفادهم...

وكل عام وبلدنا الإمارات وقادته الحكماء وشعبه العظيم بألف خير وأمان واستقرار.

Email