حرية التعبير أصعب امتحان للرئيس مرسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تأتي قضية مصادرة عدد السبت الماضي 11 أغسطس من صحيفة "الدستور" المصرية ضمن إرهاصات مقلقة تتصاعد حول مصير "حرية التعبير" في مصر في عهد الرئيس محمد مرسي. ومن بين التهم التي تم توجيهها في مبررات هذه الخطوة هي "إهانة الرئيس" وهي التهمة التي تتكرر للمرة الثانية حتى الآن بعد ان تم توقيف عدد من المحتجين الذين اعترضوا موكب الرئيس أمام قصر الاتحادية بالتهمة نفسها قبل نحو أسبوعين.

أثارت الخطوة ردود فعل فورية في مصر من مختلف الأحزاب السياسية والشخصيات رفعت من مستوى المخاوف حيال حرية التعبير في مصر في عهد ما بعد الثورة، أي عهد أول رئيس مدني لمصر.

ففي الأيام القليلة الماضية، قام بعض أنصار الإخوان المسلمين بمهاجمة معتصمين أمام قصر الاتحادية واشتبكوا معهم وأزالوا خيام المعتصمين في حديقة مقابلة للقصر. وفي واقعة أخرى، ذكرت تقارير أن أنصاراً للإخوان أيضاً قاموا بمحاصرة مداخل مدينة الإنتاج الإعلامي وحاولوا ضرب إعلاميين مصريين من المناهضين للإخوان المسلمين.

قد تكون تلك المعارك مفتعلة، لكن التطور الأكثر إقلاقاً هو ذاك الذي لفت إليه الصحافي المصري صلاح عيسى في 3 أغسطس، حول المواد التي أقرتها لجنة الحقوق والحريات العامة في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور والتي وصفها بأنها "تتناقض تماماً مع المقترحات التي تقدمت بها نقابة الصحافيين وتقدم بها المجلس الأعلى للصحافة". (راجع: فضيحة تاريخية في تأسيسية المصري اليوم 3 أغسطس 2012). عاد عيسى السبت 11 أغسطس ليكتب من جديد حول هذه المواد محدداً "خمس ملاحظات جوهرية" على المواد المتعلقة بالصحافة في الدستور.

أبرز ما في ملاحظات صلاح عيسى هو ان المواد المتعلقة بالحرية أصبحت مربوطة باستثناءات واستدراكات تقود إلى تعسف محتمل للسلطة التنفيذية حيال ممارسة هذه الحرية إضافة إلى أن المواد قصرت حق إصدار الصحف على الشركات العامة والخاصة دون الأفراد، كما ان المواد المقترحة لم ترسخ استقلالية الصحف والمؤسسات الإعلامية القومية عن السلطة والأحزاب. يعرض عيسى بعضاً من أمثلة هذه المواد مثل هذه: "حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن فكره ورأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير (بما لا يمس بحرمة الحياة الخاصة أو حقوق الغير).

الجملة الأخيرة الموضوعة بين هلالين هي ما يمثل موضع اعتراض عيسى الذي يقول "كان من رأينا حذف الفقرة الأخيرة التى أضافتها اللجنة إلى مقترحات الصحافيين لأن الهدف من المادة، هو تأكيد مبدأ حريات الفكر والرأى والتعبير كمبدأ دستوري ولأن الاستثناء عليه يفتح شهية المشرع لتقييد هذا الحق، خاصة أن الباب نفسه من الدستور - باب الحريات والحقوق العامة- يضمن حقوق الغير، بما فيها الحق في حرمة الحياة الخاصة".

وعلى غرار هذه المادة، تأتي مادة أخرى حسب صلاح عيسى أيضاً، يقول نصها: "حرية الصحافة والطباعة والنشر وغيرها من وسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على الصحف وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها محظور (مادامت غاياتها ووسائلها مشروعة)..".

ويشرح عيسى: "طالبنا بحذف العبارة التى أضافتها اللجنة والتى تشترط أن تكون غايات الصحف ووسائلها مشروعة لكي تتمتع بالحق فى عدم إخضاعها للرقابة وعدم إنذارها أو وقفها أو إلغائها، وتعطي المشرع الحق في ممارسة هذه الشرور جميعها ضد الصحف ووسائل الإعلام بدعوى أن غاياتها ووسائلها غير مشروعة، وهو ما يعيد إلى الذاكرة ذكرى أسوأ نص عرفته الدساتير المصرية وهو ذيل المادة 15 من دستور 1923 الذي كان يجيز كل هذه الشرور إذا كان ذلك ضرورياً لوقاية النظام الإجتماعي".

وإذا ما أضيف إلى ذلك حكم السجن بحق الفنان عادل إمام الذي صدر قبل شهور في قضية رفعت ضده حول أفلام قام ببطولتها قبل سنوات خلت وتنتقد الإسلاميين، فإن هذا يبدو كافياً لكي يقرع أجراس الإنذار فعلاً من الطريقة التي يفكر بها تيار الإخوان المسلمين حيال حرية التعبير. ومن وجهة نظري انه إذا كان هناك امتحان حقيقي وجدي للإخوان المسلمين وعموم الإسلاميين في تجربة السلطة فلن يكون سوى امتحان "حرية التعبير".

لقد كان من المتوقع ان يواجه الرئيس محمد مرسي وتيار الإخوان عموماً معارك وامتحانات صعبة وبعضها قد يكون مفتعلاً، لكن فيما يتعلق بحرية التعبير، فإن الأمر لا يتعلق بالمكايدة السياسية والرد على الخصوم أو البناء على الوضع الراهن بكل ما فيه بقدر ما يتعلق بإحدى الأسس التي لا غنى عنها لبناء مجتمع ديمقراطي حقيقي انتفض المصريون وقدموا تضحيات غالية من أجله. أي بالمستقبل الذي يتعين ان يتم وضع أسسه الآن في عملية بناء تشريعي للجمهورية الثانية. أي الدولة المدنية التي ثار من أجلها المصريون ووعد الرئيس مرسي ببنائها.

ما لم تصبح حرية التعبير حقيقة راسخة في المجتمع المصري، لن يكون بإمكان أي مصري ان يلمس الفارق بين العهد السابق وعهد أول حكومة جاءت بها الثورة. الدولة المدنية لا تعني أن يكون الرئيس مدنياً فحسب، بل تعني أساساً دولة ديمقراطية قائمة على الحريات الفكرية والسياسية والاجتماعية المكفولة للجميع. المفارقة هنا ان عدد صحيفة "الدستور" المصادر كان يحذر من دستور يريد الإخوان المسلمون فرضه على المصريين وسيدخل مصر في أزمة لعشر سنوات قادمة حسب الصحيفة التي دعت إلى حل وحيد هو "التحالف بين الجيش والشعب".

من باب النصيحة فحسب، أقول إن الامتحان الذي ينتظر الرئيس مرسي وتيار الإخوان عموماً صعب للغاية ولن يتمكنوا من اجتيازه بنجاح ما لم يضعوا نصب أعينهم ان المهمة الآن هي "المستقبل" وليس "الراهن". بعبارة أخرى، بناء أسس دولة ديمقراطية فاعلة ومحصنة ضد كل عناصر التأزيم وليس بناء الدولة التي يريدها تيار الإخوان. أحد أهم الأسس لهذه الدولة هو "حرية التعبير" وهو ما دفع بالكثيرين للقول ان مصادرة عدد صحيفة الدستور كان خطأ استراتيجياً.

Email