مصر وأثقالها

ت + ت - الحجم الطبيعي

ضريبة الحكم أن يحمل الحاكم الذي فرح بمنصبه هموم مسؤولية (أد الدنيا). والرئيس المصري مرسي الذي يبلغ من العمر 61 عاما عليه أن يتحمل مسؤولية حمل أثقال وزنها 60 عاما. وهي تراكمات مختلفة بدأت تكبر منذ نجاح ثورة يوليو 1952.

منذ ذلك التاريخ ومصر تدور في دوامة وحملت نفسها ما لا طاقة لها به. وأول هذه الأوزان أن من قاموا بالثورة ونجحوا فيها داروا في فلك الاتحاد السوفييتي بناء على وجهة نظر جمال عبد الناصر الاشتراكية.

وهذا وضع مصر في موقف أشبه ما يكون بالسباحة ضد التيار. فقد وقف الغرب ضد هذا الاختيار الذي لم يكن لعبد الناصر منه مناص حين رأى أن العالم العربي يئن من الاستعمار ولا بد من دعمه للتحرر.

 لذا كانت مصر في ذلك الوقت محاصرة من كل مكان بغية إعادتها إلى الطريق السوي من وجهة النظر الرأسمالية. وقد كلف هذا الموقف مصر الكثير من الأموال والدماء والوقت رغم الإنجازات التي حققتها من خلال بناء السد العالي بمساعدة السوفييت، وتأميم قناة السويس، التي تحولت بين ليلة وضحاها من ممر مائي إلى ممر اقتصادي وتجاري وسياسي واستراتيجي.

ثم وقع على مصر أيضا إرث احتلال فلسطين عام 1948. ودولة بحجم مصر وبزعامة ثورية عربية تحررية على رأسها عبد الناصر كأحد كبار الضباط العسكريين في مصر، يعني الدخول لا محالة في دوامة حروب التحرير.

ودفعت مصر ثمنا غاليا في الأرواح والعتاد. ومضت تدفع هذا الثمن إلى أن وقعت حرب اكتوبر في عام 1973 كرد اعتبار لهزيمة يونيو 1967. وكادت تكسب المعركة لولا دعم الغرب لإسرائيل بالإمداد العسكري والحيلة السياسية في آخر لحظة. فحملت مصر أثقالا على أثقالها.

اعتقدت مصر بعدها وفي زمن السادات أن التحول للغرب والتخلي عن الحليف السوفييتي سوف يعيد لها ما خسرته بالسلاح، وأنها بالتوقيع على اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1978 سوف تحقق لشعبها السلام والأمن والرخاء، غير أنها وقعت في أكبر زلاتها. فقد وجدت نفسها معزولة عن العالم العربي وبعض الدول الإسلامية ووحيدة أمام حمل ديونها المتزايدة منذ زمن غرق فرعون.

ولم تتحسن الأمور بعد السادات وأثناء حكم الرئيس مبارك الذي هو اليوم (رهين السجن والمرض). فكان الرخاء لجماعة دون جماعة، وكانت فئة الواحد بالمئة من سكان مصر تحصد ما تزرعه البقية الباقية. وتحول الأمن إلى انعدام الأمن بالنسبة للمواطن المصري، الذي كان يشاهد عملية نقل السلطة من الأب إلى الابن دون أن يحرك ساكنا.

وزج في السجن بكل من تسول له نفسه الاعتراض على إرادة الرئيس وأولاده وزمرته الذين كانوا يعيشون في عالم الرخاء والبذخ والقصور على حساب بيت المال. وكان كل ذلك من عرق وجيوب الشعب المصري الطيب. وهكذا انتظر الشعب أربعين عاما حين تلقف فكرة الثورة التونسية وطبقها خير تطبيق. فاجأ الشعب المصري حاكمه وقلب عليه كرسي الحكم وعلى وأولاده وزج بهم ومن معهم في ظلمة السجن.

غير أن هذه الثورة لم تخفف من هموم الرئيس المنتخب الحالي المحسوب على الإخوان المسلمين. ولا أثقال الشعب المصري المتنوع في همومه واعتقاداته. فما كاد الرئيس الجديد يستمتع قليلا على كرسيه الذي انتظره بفارغ الصبر، حتى هزت كرسيه أعاصير رفح.

وكانت ردة فعله تشبه الهستيريا. غير أنه ربما لا يعلم بأن هذا الإعصار ليس سوى مجرد بداية لأعاصير أخرى قادمة من على بعد مسافة عدة كيلومترات من شرق الحدود المصرية؛ غزة وإسرائيل وسوريا ولبنان ومنظمات القاعدة. وأخرى الله يعلم اتجاهها.

هناك تسعون مليون مصري فاقدو الصبر، في انتظار أن تحل مشكلة كل واحد منهم على حدة: العيش والملبس والشقة والعمل والوظيفة والازدحام والاحتقان المسيحي الإسلامي والتدخلات والضغوطات الخارجية وووووو...

والله يعين مرسي على الكرسي....

 

Email