الخجل من اللغة العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يحظ أي شعب من شعوب العالم على مدى التاريخ بلغة عريقة كاللغة العربية. فهذه اللغة تعود إلى ازمان غابرة إلى ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام، ولقد مرت بعدة مراحل، حتى أخذت شكلها الأخير بنزول القرآن الكريم على سيدنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.

وقبل نزول الوحي، برع العرب في الشعر مستعينين بلغة مرنة واسعة قادرة على ما لا تقدر عليه لغات الشعوب قاطبة. ولا أحد يعلم إن كانت توجد هناك قصيدة واحدة لدى أي شعب من شعوب العالم منتظمة من مئات الأبيات الشعرية تلتزم فيها بوزن وبقافية واحدة من ألفاظ غير متكررة في الأبيات التي تليها كما في شعر العرب؟

ومن الواضح أنه لم تجتمع أمة من الأمم على لغة كما اجتمع العرب على لغتهم. فنجد اليوم شعوبا يعد عدد سكانها بالمليارات غير أنه لا يرتبط أبناؤها فيما بينهم بلغة واحدة، وإنما بلغات متعددة. غير أن العربية تميزت بهذه الصفة المنفردة في أنها جمعت كافة العرب ثم المسلمين تحت سقف واحد ووسيلة اتصال واحدة وعقيدة وتاريخ مشترك.

 ولحسن حظ العرب أن اللغة العربية لم تلغ اللهجات العربية الأخرى، وظلت جغرافية الوطن العربي الممتد على مسافة آلاف الكيلومترات تتحدث بعدة نكهات من اللهجات المختلفة النطق والتراكيب غير أن هذه الامة نفسها تجمعها قواعد اللغة التي نزل بها القرآن الكريم منذ أكثر من 1400 عام.

والكل يعلم كم ساهمت اللغة العربية في التطور الأدبي والعلمي والثقافي لأمة الإسلام وكيف لعبت فيما بعد دورا أساسيا في نقل هذه العلوم إلى كل أنحاء العالم. ووجد بها من التراكيب والقدرة على التوسع والمرونة والقدرة على التأقلم مع المتغيرات ما قد تعجز عنه اللغات الأخرى.

وعندما اختار الله سبحانه وتعالى اللغة العربية لتكون طريق الهداية للبشر، فذلك لعلم القدير بأنها لغة تملك من السحر والإعجاز ما لا تملكه أي لغة أخرى. ف

معظم اللغات لم تستطع أن تنتشر في البلدان المفتوحة كما انتشرت اللغة العربية من خلال لغة القرآن الكريم. فالإنجيل على سبيل المثال يقرأ بعدة لغات مختلفة ولكل شعب من الشعوب المسيحية ترجمته الخاصة به للإنجيل.

بينما لغة القرآن أصبحت لغة تواصل بين كافة المسلمين في كل أرجاء العالم وليس قصرا على العرب. وكما نعلم فإن عدد المسلمين في العالم يفوق المليار ونصف المليار بينما لا يمثل العرب من هذه النسبة سوى 20% فقط، فلا عجب أن تسمع أفريقياً أو آسيوياً أو أوروبياً يقرأ القرآن الكريم بلغة عربية سليمة تامة قد لا يقدر عليها العربي نفسه!

ومما يحزننا أن أمانة اللغة العربية التي ألقي حملها وحمايتها على عاتق العرب قد استهان بها هؤلاء قبل الأعاجم. وكما كان الحال بالنسبة للغة اللاتينية، نخشى أن تتحول اللغة العربية بعد المد السهل للغة الإنجليزية وبتهاوننا، إلى لغة ميتة.

إننا ندهش اليوم عندما نرى أبناءنا وبناتنا من هذا الجيل يدافعون بكل اعتزاز وفخر عن اللغة الأجنبية وكأنها اللغة التي أرضعتهم، ولا يخجلون من ارتداء الألبسة التي تحمل شعارات وجملاً كتبت بلغات أجنبية وكأن التحضر في نظرهم لا يكون إلا بالتحدث بلغة الشعوب التي استعبدتنا وتحتقرنا وتطلق علينا من الأوصاف ما لا يرضاه غيرنا على نفسه.

بينما شبابنا حتى من بين حاملي الشهادات العلمية المتقدمة يمجدون لغة من احتقرهم ويضعونها وساما وشعارا فوق قمصانهم وقبعاتهم بعد أن تخلوا قبل ذلك عن زيهم العربي. وأصبح الكثيرون منهم لا يتحدثون مع أخوتهم في البيت الواحد إلا بلغة أجنبية، خشية أن يتم اتهامهم بالتخلف الثقافي والعلمي!

هل هو خجل من لغة تاريخهم ودينهم العريق أو هو وباء ثقافي وعجز أمام فهم سر وقوة لغة القرآن الكريم؟ وما يخيف في الأمر، ماذا سيعلم هذا الجيل الضائع لأبنائه وبناته وللأجيال التي ستأتي من بعده؟

 

Email