الترتيبات لأفغانستان ما بعد 2014

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد كان الدرس بليغا لما آلت إليه الأوضاع في افغانستان بعد خروج السوفيت منها، حيث انشغلت الاسرة الدولية عن الشعب الافغاني بعد ان كانت تمده بالمساعدات لإخراج القوات السوفيتية آنذاك من البلاد.

مما احدث فراغاً كبيراً وترك الشعب الافغاني ليواجه قدره لوحده في غياب الدولة وفي ظل نفوذ جماعات مسلحة متفرقة. وانطبق على الدولة الافغانية معظم معايير الدولة الفاشلة حيث ادركت التنظيمات الارهابية ان هذه الظروف توفر لهم ملاذا امنا وبذلك اتخذت القاعدة من افغانستان مقرا لها ومنطلقا لنشاطاتها.

وبعد ان شهد العالم الحدث المهول في الحادي عشر من سبتمبر بالولايات المتحدة الاميركية، عاد الاهتمام بافغانستان من خلال دخول قوات التحالف الدولي بزعامة الناتو الى هذا البلد لمكافحة الارهاب. وبعد عقد ونيف من تواجدها قررت القوات الدولية انها ستغادر افغانستان عام 2014.

وحتى لا تتكرر ظروف ما بعد خروج القوات السوفيتية، تجري الترتيبات الراهنة لتقديم الاسرة الدولية المساعدة لافغانستان لما بعد 2014. بهدف انهاء المرحلة الانتقالية التي عاشتها افغانستان في ظل تواجد القوات الدولية، واحداث مرحلة تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية لضمان افغانستان جديدة مستقرة وجزء فاعل في الاسرة الدولية.

ولإحداث التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسة المنشودة في افغانستان تصاعدت وتيرة الجهود الدولية فكان مؤتمر كابول في منتصف يونيو 2012 وتبعه مؤتمر دلهي في 28 من نفس الشهر، واخيراً انعقد مؤتمر طوكيو في السابع من يوليو، ومثلت جميعها محطات مهمة لتضافر جهود الاسرة الدولية بهدف ان تكون افغانستان ما بعد 2014 مستقرة ومزدهرة.

لقد كان مؤتمر كابول في منتصف شهر يونيو في غالبه مؤتمرا سياسيا وبحث المشاركون فيه العوامل المساعدة لنهضة افغانستان والسيناريوهات للخروج من المرحلة الانتقالية الى افغانستان مستقرة ومزدهرة.

وقدمت جهات عديدة سواء كانت من الدول المشاركة او المنظمات الدولية والاقليمية بعض الرؤى التي شملت التوجهات الاستراتيجية التي بحثت مع الافغان والتي شملت الرؤية للتحول في العقد القادم واستراتيجية التنمية والاطر التي يمكن من خلالها تحقق مصداقية ومحاسبة مسقبلية والكيفية لتحقيق هذه الرؤى.

 وشملت المداولات البحث في الطرق التي يمكن ان تحقق لافغانستان الاعتماد الذاتي بما في ذلك الاعتماد على الموارد الطبيعية وامن الطاقة والغذاء والحكومة الرشيدة وتحديد الاولويات الوطنية بما فيها المساواة بين الجنسين وتوفير فرص العمل. ومن التصورات التي خرج بها مؤتمر كابول ان افغانستان في عام 2015 تستطيع ان تتحمل المسؤولية الكاملة لامن واستقرار البلاد لتحقيق التحول المنشود للعقد الذي يلي ذلك العام.

ومن خلال التحولات حتى 2025 يؤمل ان تقلل من الاعتماد على المساعدة الدولية وتحدث نهضة تنموية تعزز من الامن والاستقرار في افغانستان، على امل انه مع نهاية العقد الثالث من هذا القرن سيقدم الافغانيون انفسهم كأمة اسلامية ديمقراطية نامية تستطيع ان تتكامل مع جيرانها اقليميا.

وبقدر ما بحث مؤتمر كابول في الترتيبات السياسية، كان مؤتمر دلهي محطة مهمة لبحث الترتيبات الاقتصادية حيث شارك في المؤتمر المسؤولون الاقصاديون الافغان وكذلك ممثلون عن الجهات المعنية في التنمية وغيرها وممثلون لجهات تجارية واقتصادية من جنوب اسيا والشرق الاوسط والدول الصناعية المتقدمة.

وعقد مؤتمر دلهي بغرض تشجيع الاستثمارات في افغانستان من قبل رجال الاعمال اقليميا ودوليا وبحث في المؤتمر بشكل تفصيلي الغرض من الاستثمارت سواء كانت في مجال استكشاف الموارد الطبيعة واستخراجها او في مجال الخدمات والبنى التحتية والزراعة وتكنولوجيا الاتصالات. ومشاركة رجال الاعمال على المستوى الاقليمي من شأنها ان تعزز الروابط الاقليمية بما يخدم قضية استقرار افغانستان.

ويشكل جذب الاستثمارات الاجنبية الى افغانستان فرصة لمساعدة هذه البلاد التي دمرتها ويلات الحروب وبذلك يمكن استبدال مراكز النفوذ لتنتقل من كبار الجنرالات الى المدراء التنفيذيين للشركات. ومن التوصيات المهمة التي خرج بها مؤتمر دلهي اهمية توفير الحماية لاستثمارات القطاع الخاص وتقليل المخاطر وتوفير حوافز للاستثمار في افغانستان، الى جانب انشاء صندوق دولي لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.

وكانت وزيرة الخارجية الاميركية وهي في طريقها لحضور مؤتمر طوكيو قد توقفت في افغانستان وأجرت محادثات مع المسؤولين هناك واعلنت ان الادارة الاميركية قررت اعتبار افغانستان ضمن الحلفاء الاستراتيجيين الرئيسيين من خارج حلف الناتو، وهي بذلك ارسلت رسالة تسعى من خلالها الادارة الاميركية لحشد المانحين عشية مؤتمر طوكيو.

وقدمت توصيات مؤتمري كابول ودلهي للمشاركين في لقاء طوكيو في السابع من يوليو، لتشكل اطار عمل. حيث بحثت الجهات المانحة الدولية تنسيق جهودها ضمن هذا الاطار لتوفير الموارد المالية المطلوبة لافغانستان بعد انسحاب القوات الدولية من البلاد التي دمرتها اعمال العنف وذلك في عام 2014.

وتمثل كل هذه المحطات من كابول مرورا بدلهي وانتهاء بطوكيو جهودا ترمي الى تبديد المخاوف للفترة ما بعد انسحاب القوات الاجنبية في عام 2014 والقلق من عدم الاستقرار وعدم اليقين في تلك البلاد. فقد قدم المانحون في طوكيو ما مجموعه 16 مليار دولار لتمويل التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لافغاستان على مدى الفترة المقبلة.

ان هذه كلها جهود في غاية الاهمية وتحتاج الى جانب ذلك، انجاح المفاوضات الجارية للقوات الدولية وطالبان كاستحقاق مهم ضمن استكمال الترتيبات لما بعد انسحاب القوات الدولية عام 2014.

 

Email