أميركا وفضيحة ليبور

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن الاعتقالات باتت وشيكة في فضيحة "ليبور"، مع تضييق المحققين الأميركيين والأوروبيين الخناق على أكثر من عشرة متداولين. على امتداد ما لا يقل عن أربع سنوات من 2005 إلى 2009 عمد بنك "باركليز"، بين العديد من البنوك الأخرى، فيما يبدو، إلى التلاعب عمدا بمعيار أسعار الفائدة "ليبور" (وهو الاسم المختصر لـ"أسعار الفائدة بين بنوك لندن")، الذي ترتبط به تريليونات الدولارات الخاصة بالأدوات المالية، بما في ذلك الرهون العقارية، وفوائد بطاقات الائتمان، والقروض التجارية الصغيرة.

وخلال الأسبوع الأخير من يونيو الماضي، اتفق بنك "باركليز" مع المنظمين البريطانيين والأميركيين على دفع غرامة قدرها 450 مليون دولار، فيما استقال ثلاثة من كبار المسؤولين في البنك، بمن في ذلك الرئيس التنفيذي روبرت دياموند.

فما مدى خطورة حجم عملية الاحتيال هذه؟ يقول البعض إن المبلغ المرتبط بـ"ليبور" يساوي 360 تريليون دولار، ويقول آخرون إنه يساوي 500 تريليون دولار، فيما يرفعه آخرون إلى 800 تريليون دولار.

وكتب غريتشن مورغنسون، يقول: "إن التلاعب بمعدل (ليبور) يعد قضية كبرى لأنه يؤثر على قيمة المال بالنسبة للجميع تقريبا". أو كما قال ديلان ماتيوس، فإن: "البنك الذي يتلاعب بمعدل (ليبور) لا يعبث فقط بمشتقات تقتصر على فئة معينة ولا تؤثر إلا على المتداولين الآخرين، ولكنه يعبث بالاقتصاد الحقيقي الذي يشارك فيه معظمنا كل يوم."

لذا فإن الغضب في موضعه تماما. إلا أنني عندما قرأت هذا الموضوع للمرة الأولى، أبديت ردة فعل مختلفة بعض الشيء نظرا لصلتي الشخصية بالبنك. فحين كنت في الخامسة والعشرين من عمري، كنت أعيش في لندن، وكنت قد ألفت للتو كتابي الثاني.

واعتقدت أنه كان جاهزا للنشر، ولكن الناشرين لم يعتقدوا ذلك ـ إذ رفض 25 منهم نشره. ففي يوم من الأيام، وجدت نفسي أسير، شبه مفلسة، في شارع سانت جيمس، وأفكر مليا في أمور عدة ومنها "لعلي أحتاج إلى مهنة مختلفة".

فرأيت فرعا من فروع بنك "باركليز"، وخطرت ببالي فكرة. فدخلت البنك، وطلبت مقابلة المدير. فجلست معه، وأنا لا أحمل أية ضمانات سوى قليل من الوقاحة، وشرحت الوضع، وطلبت منه الحصول على قرض. ففكر في الأمر، وفاجأني بموافقته.

في حقيقة الأمر، فإن ثقته بي غيرت حياتي، إذ سمحت لي بالمثابرة لأقابل بالرفض من جانب 13 ناشرا آخر، وبالموافقة من جانب ناشر واحد. كان يدعى ايان بيل، ولطالما حظي هو وبنك "باركليز" بمكانة خاصة في قلبي (وأنا لا أزال أبعث إليه ببطاقة عيد ميلاد كل عام).

لذا فقد كان بنك "باركليز" البنك الجيد في ذاكرتي دائما، حتى في ظل إظهار السنوات الأخيرة أن المزيد والمزيد من البنوك تبعد كل البعد عن كونها جيدة. ولكن الآن أصبح البنك الجيد في ذاكرتي، شأن العديد من البنوك الأخرى، بنكا سيئا. ولا يعود ذلك كثيرا إلى حقيقة أن بنك باركليز تغير، وإنما إلى حقيقة أن الصناعة المصرفية نفسها تغيرت. وباركليز انضم إلى النادي فحسب.

في الواقع، فإن 16 بنكا تخضع حاليا للفحص على خلفية التلاعب بـ"ليبور" أو غيره من مؤشرات أسعار الفائدة. وتشير تقديرات "مورغان ستانلي" إلى أن التكاليف الإجمالية بالنسبة للبنوك المعنية يمكن أن تصل الى 14 مليار دولار، فيما يشير تقرير آخر إلى أن الرقم يقرب من 35 مليار دولار.

وقال الرئيس التنفيذي لأحد البنوك الكبرى: "هذه هي لحظة التبغ بالنسبة للقطاع المصرفي"، مشيرا إلى الدعاوى القضائية والتسويات التي كلفت صناعة التبغ الأميركية أكثر من 200 مليار دولار في عام 1998. وأضاف: "الأمر بهذه الخطورة."

ويمكن ملاحظة مدى وقاحة العالم المصرفي في خروجه عن القانون في اللهجة العامية المستخدمة في الرسائل الإلكترونية التي كشف عنها التحقيق. وتقول إحداها: "يا رجل، إنني أدين لك بالكثير! سأفتح زجاجة شراب".

وليست تلك الطريقة التي يتحدث بها المجرمون المحترفون الكبار فلا وجود لدراما "قم بحرق هذه الرسالة بعد قراءتها". ولا تكمن المشكلة في بضعة تفاحات فاسدة، على الرغم من أن هذه هي الصورة التي ستحاول البنوك رسمها.

ولا يرجع الأمر إلى أن المصرفيين أصبحوا فجأة أشرارا، بل إلى أنه قد تم اتخاذ قرارات ملموسة لتغيير القوانين بطريقة جعلت مثل هذه الفضائح أمرا لا مفر منه. وإلغاء القيود الذي شهدته ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته هو الذي سمح للبنوك بالتحول من مؤسسات محلية تعرف عملاءها إلى الكازينوهات الخطيرة وشبه الخارجة عن القانون التي أصبحت عليها اليوم.

وعندما نتحدث عن بعث البنوك في مرحلة ما قبل الكازينو، فإن الناس غالبا ما يستخدمون كلمة "مملة" لوصفها. وإليكم ما قاله جو نوسيرا مثلا: "أكثر ما يحتاجه القطاع المصرفي هو أن يصبح مملا، أي أن يعود إلى ما كان عليه قبل أن يصبح المصرفيون مدمنين على الأرباح التجارية".

 

Email