النظام السوري والقرار المر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الذي يظن أن الأمور يجب أن تستمر كما كانت عليه، فهو خاطئ. ومن يعتقد بأن الأنظمة القديمة قادرة على الصمود فهو متوهم.

بلا شك ودون توفر الأرقام الدقيقة، اليوم هناك من هم مع النظام السوري، ولا أحد يعرف أعدادهم، ومن هم ضد النظام وهؤلاء أيضا لا نعرف نسبتهم. ولكل من الطرفين مصلحته ووجهة نظره سواء على مستوى الأفراد أو الدول في كونه مع أو ضد النظام القائم. ولكل من هذين الطرفين تعليلاته ودواعيه.

أولا من حيث المبدأ، عندما نتحدث عن الديمقراطية يجب علينا تطبيق هذا المصطلح الغربي على أنفسنا أفرادا ودولا، قبل أن نطلب تطبيقها من الغير. وبالتالي فإن حرية التعبير عن الرأي يجب أن تسمح لي دون ضغط أو خوف من مهاجمة أن أبدي وجهة نظري بحرية تامة. وأيا كان الموقف. وأيا كانت الجريمة. وإلا فإنه يجب التوقف عن نطق كلمة ديمقراطية. ويجب إلغاء القضاء والشهود. ويكون الحكم من وجهة نظر واحدة. بالتالي نعود في حلقة الديكتاتورية المطلقة التي نحاربها.

ثانيا، ما يجري في سوريا أصبح يمس كل فرد من شعوب الدول الإسلامية والعربية. ولم يعد حكرا على فئة دون أخرى. ومن حق كل فرد من هؤلاء أن يبدي رأيه بكل شجاعة.

دون أن يواجه بهجوم شرس لاختيار هذا الموقف وإبداء ذاك الرأي. وهذا هو الحال عادة في قاعات المحاكم. فالمجرم والضحية يقفان جنبا إلى جنب أمام حيادية القضاء حتى يصدر الحكم في القضية. وكما أن هناك حكما، فإن هناك حق استئناف الحكم الذي يمنح المحكوم عليه (حق) الدفاع عن نفسه مرة أخرى أمام المحاكم الكبرى. حتى ولو كانت القضية قضية قتل.

 وحتى ولو كانت القضية قضية إبادة جماعية. وهذه مبادئ تطبقها الدول الغربية (أحيانا). ولا أقرب من ذلك من محاكمة مجرمي حرب الصرب وما تبقى من فلول مجرمي الحرب العالمية الثانية. وظل الشعب الأوروبي صامتا في انتظار النطق بالحكم الذي يستمر عادة سنين طويلة.

ثالثا، بقدر الاتفاق العام على بشاعة النظام السوري في مواجهة المعارضة المسلحة وقتل المدنيين العزل وعلى الرفض الذي لا مساومة عليه لكل أنواع إراقة الدماء بغير وجه حق، فإن وسائل الإعلام العربية والعالمية والمطالبة بالوقوف موقف الحكم وليس الخصم، ركزت على إظهار صوت المعارضة في الدفاع عن نفسها غير أنها غيبت صوت النظام الذي ادعى مرارا أنه يطلب الحوار.

بينما الاتهامات ما زالت حتى يومنا هذا متبادلة بين الطرفين، وحيث إن كليهما يحملان السلاح الثقيل في وجه الآخر، فإنهما يظلان من وجهة نظر القضاء متهمين بارتكاب جرائم حرب إلى أن تثبت إدانة أحدهما. وفي مثل هذه الحروب تظل الحقيقة غائبة.

رابعا، إنه أيضا من العدل أن لا ننسى مواقف سوريا الأمس في دعم القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين، وفي حروبها التي خاضتها ضد الاحتلال الصهيوني وغزو الكويت.

فقد دفعت سوريا في الأولى ثمنا غاليا، وخسرت جزءا مهما من أراضيها التي ما زالت محتلة. أما في الثانية، فإن موقفها من الشعب الكويتي كان مهما لوحدة الصف العربي، عندما كان لسوريا آنذاك موقفا ورأيا ووزنا سياسيا هاما.

خامسا، وحتى يصدر الحكم الذي أصبح بحكم وسائل الإعلام وكأنه قد صدر ضد النظام، على النظام السوري أن يقرر مصيره والتوقف عن اللعب في الوقت الضائع.

فقد انتهى به الأمر إلى أن أمسى وحيدا في حلبة الصراع، بعد أن تخلى عنه الجميع. وحتى ولو استخدم النظام كافة إمكانياته العسكرية الثقيلة ضد المعارضة وحتى لو افترضنا أنه نجح في تصفيتها، فإنه سيجد نفسه في نهاية المطاف يحكم وحيدا بلدا مليئة بالدمار والفوضى وبحرب عصابات لا تنتهي وأمام عزلة دولية وعربية شاملة. ولا أحد يتخيل بأن نظاما في مثل هذا الموقف الرمادي يستطيع أن يستمر طويلا.

Email