معاملة أفغانستان لأطفالها

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من غياب هذه الحقيقة عن الكثيرين، إلا أن الحكومة الأفغانية خفضت الميزانية المخصصة للجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان إلى النصف في وقت سابق من العام الجاري، مبرهنة على "افتقارها للاهتمام والإرادة السياسية فيما يتعلق بتعزيز حقوق الإنسان"، وذلك وفقا لما قالته لجنة حقوق الإنسان.

ولا يعد عمل هذه اللجنة أكثر أهمية في أي مكان على وجه الأرض مما هو في أفغانستان. ما السبب في ذلك؟ إذا أردت أن تحكم على دولة ما، فإن أفضل مقياس هو من خلال طريقة معاملتها لأطفالها.

واستنادا إلى هذا المعيار، فإن الولايات المتحدة ليست بريئة تماما. إذ تظهر الإحصاءات الحديثة الصادرة عن مكتب الإحصاء الأميركي أن أكثر من 16 مليون طفل أميركي يعيشون في حالة فقر مدقع. ولكن في الولايات المتحدة، هل يمكن لوالد مدان بجريمة ما أن يرسل ابنه لقضاء محكوميته بدلا منه؟

في أفغانستان، يمكنهم ذلك، وهم يفعلونه. وليس هذا إلا بداية المشكلة، كما هو موضح في تقارير حقوق الإنسان الأفغانية وتلك الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية، فضلا عن وثائق الأمم المتحدة.

وتستهل الإحصاءات القاتمة قصة أطفال أفغانستان. إذ يعد معدل وفيات الأطفال في أفغانستان ثاني أسوأ معدل على مستوى العالم. ويتوفى 26٪ من الأطفال الأفغان قبل أن يبلغوا عامهم الخامس. وفيما يتعلق بأولئك الذين يبقون على قيد الحياة، فإن 59٪ منهم يكبرون ليعانوا من التقزم، جسديا وعقليا، دون أمل بالشفاء، وذلك نتيجة للتغذية غير الكافية خلال السنوات الأولى من حياتهم.

وبدءا من تلك المرحلة يصبحون بمثابة علف للبالغين الذين يضربونهم ويغتصبونهم ويعذبونهم كمسألة روتينية. هؤلاء هم الأشخاص الذين مات من أجلهم ما يقرب من 2000 جندي أميركي. وهذا هو البلد الذي أنفقت عليه الولايات المتحدة نحو تريليوني دولار حتى الآن. ويتضح من التقارير أن عقدا من التعرض للقيم الغربية (وليست جميعها مثيرة للإعجاب تماما) لم يحدث حتى أدنى تغيير في طريقة نظر الأفغان إلى ذريتهم.

والحرب هي جزء من المشكلة بطبيعة الحال. إذ تستخدم حركة طالبان أطفالا لا تتجاوز أعمارهم 3 سنوات كدروع بشرية بشكل روتيني، من خلال وضعهم في خط إطلاق النار مباشرة. ويتيتم ألوف الأطفال عندما يقتل آباؤهم في ساحة المعركة. ويتم إرسالهم إلى دور للأيتام يتعرضون فيها "للاعتداء العقلي والبدني والجنسي، وتتم المتاجرة بهم في بعض الأحيان، ولا ينعمون دائما بشرب المياه النقية أو التدفئة في فصل الشتاء أو الحمامات الداخلية أو الخدمات الصحية أو المرافق الترفيهية أو التعليم"، وذلك وفقا لما توصلت إليه الخارجية الأميركية.

ويعتقد المرء أن الأطفال الذين يعيشون بالفعل مع آبائهم يحظون بفرصة الذهاب إلى المدرسة. وأحد أهم الأشياء االذي أنجزته كل من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من أجل أفغانستان هو تشييد عشرات المدارس، على الرغم من أن طالبان نسفت عددا كبيرا منها.

ولكن في بلد يعاني ثلاثة أرباع سكانه البالغين من الأمية، لا يعد التعليم ذو أهمية كبيرة. لذا فإن حوالي ثلث الأطفال الأفغان في سن الالتحاق بالمدارس الابتدائية، أي ما يزيد على مليون طفل، وفقا لليونيسيف، يذهبون إلى العمل بشكل يومي، لممارسة التسول أو صنع الطوب أو التعدين أو حصاد الحشيش.

وعندما يتم سحبهم من العمل، فإن ذلك يكون عادة ليتمكن آباؤهم من استغلالهم لشيء آخر. نعم، يتم إرسال بعضهم إلى السجن، ولكن وفقا للجنة حقوق الإنسان الأفغانية، فإن المحكمة في قضايا أخرى قد تأمر المدعى عليه الذي تتم إدانته بإيذاء شخص ما بأن يقدم ابنته، مهما كانت صغيرة، كتعويض للضحية، ويمكنكم تصور ما يفعله المدعي بتلك الفتاة الصغيرة عندما يعود بها إلى المنزل.

وعلاوة على ذلك، فإن 60٪ من الفتيات يتزوجن قبل بلوغهن سن 16 عاما. في حين يتم تداول الفتيات الأخريات بلا زواج. وعوضا عن دفع المهر، فإن الآباء غالبا ما يقدمون بناتهم، اللاتي يبلغن من العمر 6 أو 7 أعوام، ك"هدية".

ويحظرالقانون الأفغاني المواد الإباحية التي يظهر فيها البالغون على نحو صارم. ولكن ليس هناك قانون يمنع ظهور الأطفال في المواد الإباحية. وليست الفتيات وحدهن ضحية لذلك.

إن أفغانستان البلد الأكثر بدائية على وجه الأرض. ووفقا لليونيسيف، فإن متوسط العمر هناك هو 44 عاما. والبلد الوحيد الذي يقل متوسط العمر فيه عن ذلك هو أنغولا. غير أن الأفغانيين أشبه بالعناكب الذئبية. فهم يأكلون صغارهم. ومع استمرار ذلك، سيستمر الأفغان في إيذاء وإعاقة ذريتهم، ولن يبتسم القدر المحزن الذي يواجه هذه الأمة أبدا.

Email