غزة بوابة النهوض أو الانهيار

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد حوالي الشهر على انتخابه، أدلى خلالها الرئيس محمد مرسي بتصريحات متوازنة تجاه طرفي وحالة الانقسام الفلسطيني، كان عليه أن يستجيب لطلبات فلسطينية مستعجلة حيث بدأ لقاءاته مع الرئيس محمود عباس، ثم مع وفد من المكتب السياسي لحركة حماس برئاسة السيد خالد مشعل، قبل أن يقرر استقبال وفد الحكومة المقالة في غزة برئاسة السيد إسماعيل هنية.

 وإذا كانت الوفود الرسمية التي استقبلها الرئيس مرسي، قد استهدفت معالجة قضايا فلسطينية عامة، في مقدمتها موضوعا المصالحة والشرعية، فإن وفد الحكومة المقالة لديه أجندة أخرى من طبيعة عملية، تتصل أساساً بموضوع رفع الحصار، وفتح معبر رفح الحدودي، والعمل على معالجة أزمة الكهرباء، التي يعاني منها قطاع غزة منذ سنوات.

بعد لقائه بوفد حركة حماس يوم الخميس التاسع عشر من الجاري، كتب محمد يونس مقالة نشرت في صحيفة الحياة اليومية التي تصدر من لندن، أشار فيها إلى أن الرئيس مرسي، رفض بشدة، فكرة طرحها وفد حماس تقضي بالتوجه نحو إعلان قطاع غزة منطقة محررة، وأشار كاتب المقال إلى أن الرئيس محمود عباس رفض هو الآخر بشدة الفكرة الحمساوية، مما أدى بالقيادي في حماس الدكتور محمود الزهار إلى أن يصدر تصريحاً نشرته وكالة معاً الإخبارية ينفي فيه نية حماس إعلان القطاع منطقة محررة، مضيفاً بأن مصر ستقوم بتزويد القطاع بالكهرباء والغاز.

عودة إلى زمن إعادة انتشار الوجود الإسرائيلي الاستيطاني والعسكري والأمني في قطاع غزة، في سبتمبر 2005، كانت حركة حماس قد أعلنت موقفاً مفاده أن القطاع قد تم تحريره بفضل المقاومة الباسلة، وكان ذلك الموقف مثار جدل بين الفلسطينيين ولم يكن يخلو من مخاوف إعفاء إسرائيل من مسؤوليتها السياسية والقانونية والإنسانية كدولة احتلال عن قطاع غزة، الذي لا يزال تحت الاحتلال.

في سبتمبر 2007، أي بعد وقوع الانقسام الفلسطيني، وسيطرة حماس على قطاع غزة، كانت إسرائيل قد اتخذت قراراً بالتعامل مع القطاع "ككيان معادي" وكان ذلك القرار الذي تزامن مع تشديد الحصار مؤشراً على أن إسرائيل قد بدأت العمل بخطوات متدرجة لفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية، ومواصلة الضغط، لدفع القطاع باتجاه مصر، لتلبية كل احتياجاته، وكان من بين أهم المؤشرات على ذلك أن إسرائيل غضت الطرف عن مئات الأنفاق التي قام الفلسطينيون بحفرها تحت خط الحدود بين القطاع ومصر، تحت عناوين، الضرورة، والإبداع الفلسطيني في مواجهة الحصار، وعدم السماح بتجويع سكان القطاع البالغ عددهم نحو مليون وثلاثة أرباع المليون نسمة.

مصر كانت ولا تزال وكذلك السلطة والقوى السياسية الفلسطينية، كلهم يدركون مدى خطورة الهدف الإسرائيلي، وكلهم بما في ذلك حماس يرفضون تسهيل تحقيق إسرائيل لهدفها، غير أن الواقع يشير إلى أن قوة الدفع الإسرائيلية، والحاجة لتلبية الاحتياجات الضرورية لسكان القطاع، في ظل غياب المصالحة، واستفراد حركة حماس بالسلطة في القطاع، نقول إن قوة الدفع الإسرائيلية في هذا الاتجاه كانت بدون مقاومة، وربما يعتقد البعض أن اعتماد القطاع على مصر ومن خلالها، لا يعني بالضرورة خدمة الهدف الإسرائيلي، بقدر ما أنه يعني تحرير القطاع وتحويله إلى قاعدة ارتكاز لاستكمال عملية التحرر الوطني.

كان من الواضح لسكان غزة، أن قيام إسرائيل بإغلاق المعابر التجارية الست التي كانت مفتوحة بين القطاع وإسرائيل، وحصرها في معبر واحد هو معبر كرم أبو سالم الذي يقع في الحدود المصرية- الإسرائيلية مع القطاع، وتقنين عملية إمداد القطاع باحتياجاته، يقابل كل الوقت بفتح المزيد من الأنفاق، وبتنشيط حركة التجارة غير الشرعية وغير الرسمية عبرها مع مصر.

لم تنجح كل محاولات المصريين، ولم تنجح كل محاولات السلطة، ولا الحوارات بين الفصائل من منع أو الحد من تطور هذه الآلية، فيما تحاول حكومة حماس في غزة، مواصلة الجهد لمعالجة الأزمات التي يعاني منها القطاع، وتزويده بمعظم احتياجاته من خلال مصر، والأرجح أن ذلك في حال تحقيقه، سيتم الإعلان عنه باعتباره إنجازاً وطنياً، تحقق بفضل الثورة المصرية وصمود أهل القطاع.

قد يكون من مصلحة سكان القطاع بالمعنى الإنساني، أن يجدوا حلولاً لأزمات الكهرباء والوقود، وحرية الحركة التي عانوا منها طويلاً، لكن مثل هذه الوجهة ستشكل ضربة خطيرة للمشروع الوطني وللقضية الفلسطينية ولوحدة الشعب والتمثيل.

كان من الممكن أن تكون فكرة تحويل قطاع غزة إلى منطقة محررة سواء بإعلان أو بدون إعلان فكرة وطنية سديدة وحكيمة لو أنها جاءت نتاج وحدة الفلسطينيين شعباً ومؤسسةً وقراراً، لكن أن تأتي مثل هذه الفكرة في ظل الانقسام الذي يتعمق يوماً بعد آخر، فإن هذه الفكرة تتحول إلى كابوس وطني، من شأنه أن يقضي على فكرة الدولة الفلسطينية، ليس هذا وحسب بل إن تحويل القطاع فعلياً، بإعلان أو بدونه إلى منطقة محررة بسلطة تحتكرها حركة واحدة هي حماس، من شأنه أيضاً أن يؤدي إلى تبديد الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني الذي ينقسم بين هويتين، ونظامين سياسيين، فضلاً عن أنه سيقوض وحدة التمثيل الفلسطيني، الذي تعبر عنه حتى الآن منظمة التحرير الفلسطينية وشرعية مؤسسة الرئاسة والسلطة.

المخططات الإسرائيلية لا تتوقف عند حدود فصل قطاع غزة نهائياً عن بقية الأراضي المحتلة التي ينبغي أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية، بل تتعداها إلى تكرار تجربة إعادة الانتشار من أجزاء في الضفة الغربية لا تزيد عن 45% من تلك الأراضي، مما يعني أنها تقوم عملياً بفرض الحل الإقليمي للقضية الفلسطينية، فهل يستطيع مرسي، وسكان قصر القبة الجدد من أن يفرضوا على الفلسطينيين تحقيق المصالحة، والبدء بقلب الطاولة، في وجه إسرائيل ومخططاتها؟ السؤال ينتظر إجابات عملية وليس نظرية.

 

Email