أفغانستان ضحية القوى الانتهازية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حتى قبل أن تبدأ قوات حلف "ناتو" في مغادرة أفغانستان، تغدق دول الاقتناص الثناء المفرط والاتفاقات الدبلوماسية وأجولة مليئة بالنقود على القادة الأفغان، في محاولة لكسب إمكانية الوصول إلى موارد البلاد الطبيعية الهائلة بعد رحيل القوات الغربية.

وأهم هذه الدول هي الصين والهند وقوى في منطقة الشرق الأوسط، وهي الدول التي لم تسهم بشيء تجاه الجهد العسكري في أفغانستان على مدى العقد الماضي، ولكنها تأمل في جني الفوائد من ذلك على أي حال.

على سبيل المثال، وقّع الرئيس الأفغاني حامد قرضاي والرئيس الصيني هو جينتاو على اتفاق يسمح للصين باستكشاف الموارد المعدنية وتنمية الطاقة والفرص الزراعية. ونقلت وسائل الاعلام الحكومية عن هو جينتاو قوله: "إن الصين تعتزم تقديم المساعدة المخلصة والمتفانية لأفغانستان".

يعتبر سجل الصين حتى الآن بعيداً كل البعد عن نكران الذات. فعلى مدى العقد الماضي، منحت الصين الحكومة الأفغانية 246 مليون دولار من المساعدات، في حين تنفق 3.5 مليارات دولار لتطوير منجم للنحاس هناك. وهذا لا يشمل الرشوة بقيمة 30 مليون دولار التي دفعتها الصين إلى وزير المناجم في أفغانستان في عام 2009 للحصول على حق الوصول إلى منجم النحاس. ومنذ ذلك الحين فقد الوزير منصبه.

على الأرض في أفغانستان، تلتزم الصين الهدوء وغير مرئية إلى حد كبير بعيدا عن استكشافاتها التجارية، حيث الجيش والشرطة الأفغانيين يتم تدريبهما ويدفع لهما من قبل حلف "ناتو"، وفي الوقت نفسه، حصلت الهند على حقوق التنقيب عن خامات الحديد.

اقتراحي للأفغان هو: لا تحبسوا أنفاسكم. فقد تمكنت قوى إقليمية من شق طريقها إلى وسائل الإعلام الأفغانية، وهي تقوم الآن بتمويل ما لا يقل عن ثلث ميزانية التلفزيون والاذاعة والصحافة هناك. ويتم استخدامها في بث رسائل الكراهية لأميركا والغرب. لكن الأموال التي تدفع لموظفيها تتراجع بسبب العقوبات الدولية.

كل هذا يسبب القلق والأسوأ بين الدول التي انفقت أو التزمت بأكثر من تريليون دولار على مدى العقد الماضي وفقدت أكثر من 3 آلاف شخص. وفي وقت سابق من هذا العام، أشار وليام باتي السفير البريطاني المنتهية مدته في أفغانستان إلى أن الغرب يرحب بالاستثمارات الأجنبية في الدولة.

لكنه ما سوف يثلج الصدر لو أن هذه الدول بتخصيص ميزانية للمساعدة في الجهود الأمنية، لا سيما بعد رحيل قوات التحالف عن البلاد. ويبدو أن هناك افتراضاً بأن أفغانستان وبريطانيا وأميركا سوف تغطي الجانب الأمني.

وما يؤكد على كل ذلك هو اكتشاف أن أفغانستان تملك ما لا تقل قيمته عن تريليون دولار من الموارد الطبيعية غير المستغلة، بما في ذلك النفط والكوبالت وخام الحديد والذهب والمعادن الثمينة ومن بينها الليثيوم المستخدم في تشغيل بطاريات الطاقة.

اتباعاً لمبادئ الإنصاف، فإن الدول التي حاربت من أجل أفغانستان وأنفقت كل هذه الأموال وفقدت كل تلك الأرواح يجب أن تطالب بهذه الفرص التجارية المربحة. ولكن هذا ليس هو الحال، ذلك أن قرضاي يتبع مبدأ "عضّ اليد التي تطعمك".

لكن السبب الأكبر، هو أن الدول الغربية عموماً ليست على استعداد لدفع رشاوى ضخمة التي يتوقعها قرضاي وأتباعه. وعلى مدار سنوات حتى الآن، اعترف قرضاي بأنه حصل على حقائب مليئة بالنقود من قوى إقليمية، و أيضاً حوالي 44 عضواً في البرلمان الأفغاني، حسبما ذكرت وكالة رويترز.

أما الصين، التي تعتبر موطناً لتفشي الفساد، فهي دائماً ما تدفع ما هو مطلوب للحصول على ما تريد. حسناً، فالولايات المتحدة لديها قانون الممارسات الخارجية الفاسدة، وكذلك معظم الدول الغربية لديها قوانين مماثلة.

وكونها لم تواجه عائقاً بسبب ذلك، فقد أبرمت شركة الصين الوطنية للبترول اتفاقاً لضخ 5 آلاف برميل من النفط في بداية العام الجاري وذلك من الاحتياطيات الأفغانية المكتشفة حديثا. وحصلت الهند، وهي دولة أخرى فاسدة، على اتفاق للمساعدة في بناء خط أنابيب للغاز الطبيعي عبر أفغانستان.

لكن هذه الدول المرتزقة لا يبدو أنها تدرك ما هي بسبيله. وبمجرد رحيل قوات حلف "ناتو"، وبقاء قوة أميركية محدودة في قاعدة باغرام الجوية خارج كابول، فإنه من المرجح أن تسيطر حركة طالبان الأفغانية على ما تبقى من الدولة، أو معظم ما تبقى. فهل سيقف هؤلاء الأوغاد موقف المتفرج بينما تنهب هذه البلاد ثروات أفغانستان؟

يقول الكثير من المحللين إن الصينيين يرفضون المشاركة في القتال لأنهم لا يريدون أن تعتبر حركة طالبان وحلفاؤها المتشددون أن الصين عدو. ولكن ذلك لن يكون له أهمية. فحركة طالبان من خلال إدراكها أن الصين وباكستان هما حليفتان، سوف تهاجمهما دون شك. وسوف تفوض باكستان على الأرجح شبكة حقاني الإرهابية لملاحقة الشركات الهندية. لم تختر أياً من هذه الدول المشاركة من قبل. فمن يدخل الساحة الآن سوف يكون على مسؤوليته الخاصة.

 

Email