قمة الأرض لا تحميها

ت + ت - الحجم الطبيعي

محطة جديدة وقفت فيها الأسرة الدولية، للبحث في المخاطر البيئية من خلال المؤتمر الذي نظمته الأمم المتحدة، وكانت هذه المرة نهاية الشهر الماضي في المدينة البرازيلية "ريودي جانيرو".

وهي نفس المدينة التي استضافت قمة الأرض قبل عقدين من الزمن. وبلغ عدد المشاركين هذه المرة، خمسين ألفاً من رجال الأعمال ومختصي البيئة وقادة سياسيين. وعلى عكس قمة الأرض عام 1992 التي شهدت توقيع معاهدة الأمم المتحدة للتغيير المناخي، لم يخرج هذا المؤتمر بأي معاهدة جديدة.

إن مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة أو ما يطلق عليه "ريو+20" أو قمة الأرض الثانية، كان من بين أهدافه تجديد الالتزام السياسي لدول العالم من أجل التنمية، وتقييم التقدم الذي تحقق على مستوى الأهداف الدولية المتفق عليها، من أجل التنمية المستدامة ومجابهة التحديات الناشئة على هذا الصعيد.

كما ركزت الأسرة الدولية جهودها في "ريو" على محورين، وهما الاقتصادات الخضراء في إطار مكافحة الفقر والتنمية المستدامة، وكذلك محور إيجاد الأطر المؤسسية للتنمية المستدامة.

ومن المهم إلقاء نظرة على التحضيرات لـ"ريو+20"، حيث ارتكزت النقاشات على سبع قضايا باعتبارها تحتل الأولوية، وتشمل فرص العمل الشريفة، الطاقة، المدن المستدامة، الأمن الغذائي، الزراعة المستدامة، المياه، المحيطات ومواجهة الكوارث.

وكان في مقدمة المشاركين في المؤتمر بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أكد في كلمته الافتتاحية "إن العالم الآن بصدد اتفاق تاريخي وينبغي عدم إضاعة هذه الفرصة، خاصة وأن العالم يتطلع إلى قمة الأرض لترجمة نتائجها إلى أفعال".

وبعد مفاوضات مكثفة لتحقيق التنمية المستدامة، توصلت وفود 191 دولة مشاركة في المؤتمر، إلى وثيقة بعنوان "المستقبل الذي ننشده"، والتي شملت عرضا لقائمة طويلة من التحديات، ابتداء من الاحتباس الحراري إلى تقلص الغابات والثروة السمكية وندرة المياه والتلوث وتقلص التنوع الحيوي، ويخشى العلماء أن تتسع هذه التحديات إلى مستويات غير مسبوقة.

وتضمنت الوثيقة مقترحات بإلغاء الدعم للوقود الأحفوري، والمطالبة برصد ثلاثين مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول الفقيرة، بهدف التنمية المستدامة.

وقد تضمنت الوثيقة عملية بلورة أهداف التنمية المستدامة، وتفاصيل للكيفية التي يمكن بها استخدام الاقتصادات الخضراء كأداة لتحقيق التنمية المستدامة، وتقوية برنامج الأمم المتحدة البيئي (يونيب)، والترويج لتدابير التعاون المستدام، واتخاذ الخطوات لما هو أبعد من معدلات الناتج المحلي، لمساعدة تحسين المعيشة في الدول المختلفة واستراتيجيات التمويل للتنمية المستدامة. وتم كذلك التأكيد على المساواة بين الجنسين، وإشراك منظمات المجتمع المدني.

إن مبادرة القضاء على المجاعة تحمل أهدافا رئيسية، تتضمن توفير الغذاء المناسب، ووضع حد لسوء التغذية للحوامل والأطفال، واستدامة النظام الغذائي، وزيادة نمو المنتجات والمداخيل، وخاصة للنساء. وهذه المبادرة تلقى دعماً من الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة، مثل منظمة الزراعة والصندوق العالمي للتنمية الزراعية وبرنامج البيئة ومنظمة اليونسيف والمنظمة الدولية للتنوع الحيوي والبنك الدولي.

وبحسب المراقبين لمؤتمر "ريو"، فإنه ينبغي أن يمثل فرصة لتقييم النماذج الاقتصادية للقضاء على الفقر الذي تعاني منه المليارات من البشر، وخاصة في الجزء الجنوبي من المعمورة، وإلا فإنه سيعبر عن فشل الدول في التعامل مع المخاطر البيئية الكونية، ويعيد إلى الأذهان ما آلت إليه قمة المناخ في كوبنهاغن عام 2009.

وبحسب تصريح لورانس توبيان مدير معهد التنمية المستدامة الفرنسي، فإن ذلك سيمثل عجزاً سياسياً ويظهر شلل بعض الأنظمة، وبالتالي يشيع جواً من التشاؤم في قدرة هذه الأنظمة على تحقيق تقدم على المستوى المناخي.

وترى سوريتا ماريان من مركز العلوم البيئية، أن بيان "ريو" تحت عنوان "المستقبل الذي ننشده"، هو وثيقة ضعيفة وخالية من أي محتوى، لأنها بنيت على الحد الأدنى من الإجماع، وبالتالي لم تحدد بشكل واضح الكيفية التي يستطيع بها العالم التعامل مع الأزمات المتصلة بالاقتصاد والوضع الإيكولوجي.

إن السؤال الذي يقف أمامنا، هو ما إذا كان الأنسب أن يكون عنوان بيان "ريو+20" المستقبل الذي ننشده أو المستقبل الذي نخشاه؟

من ناحية أخرى، اعتبرت وثيقة "ريو" نصراً لبعض الدول النامية، حيث فرقت بين مسؤولية الدول النامية والمتقدمة وإمكانيات كل منهما، وبذلك اعتبرت "ريو 2012" خطوة للأمام، وإن كانت غير كافية.

وعلق وزير البيئة الكندي بأن وثيقة المؤتمر عبرت عن النوايا الحسنة في المجمل، إلا أن ما يتعلق بالالتزامات كان محدوداً. وكان جوز ماريا الرئيس الأسبق لكوستاريكا والمسؤول الحالي في الأمم المتحدة، قد حمل الحكومات المشاركة بعض نتائج الفشل، باتهامه لها بأنها لم تحافظ على المعمورة ولم تحفظ ماء وجهها. في حين أن رئيسة وزراء أستراليا جيرالد، ترى عكس ذلك، وأكدت تفاؤلها بالأهداف التي وضعت للتنمية المستدامة حتى عام 2015، وخاصة في ما يتعلق منها بحماية المحيطات.

والمتفائلون يدافعون عن مؤتمر "ريو+20"، أولا؛ لأن المشاركين أعلنوا خلال المؤتمر المئات من الالتزامات كمبادرات فردية نحو التنمية المستدامة، وثانياً؛ لالتزام الحكومات بحق الحصول على الطاقة للجميع وحماية التنوع الحيوي.

وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لمؤتمر "ريو+20"، بأن الالتزامات المعلنة فيه غير ملزمة قانونياً، بما فيها بروتوكول "كيوتو" لعام 1997، إلا أننا نستطيع أن نقول إن "ريو+20" وضع من خلال وثيقة "المستقبل الذي ننشده"، مبادئ هامة للاسترشاد بها.

 

Email