السلطة الفلسطينية بين مأزقين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما جدوى بقاء السلطة الوطنية الفلسطينية؟ في الأسبوع الماضي أعلن وزير المالية في السلطة أنها تعاني أزمة مالية شديدة الوطأة، بحيث أنها باتت عاجزة عن دفع راتب يونيو المنصرم لموظفيها البالغ عددهم 260 ألفاً، بالإضافة إلى الوفاء بالتزاماتها الأخرى نحو فئات الشعب الفلسطيني عامة، في الأرض الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي.

حكومة السلطة تعتمد ماليا على مصدرين خارجيين، هما مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، ومجموعة دول الجامعة العربية. والمساعدات التي تأتي من كل من هذين المصدرين، هي تبرعات.

ولكن للسلطة مصدرا داخليا، يتمثل في الدولة الإسرائيلية الاحتلالية نفسها. وما يأتي من هذا المصدر إلى الخزينة الفلسطينية، ليس تبرعا أو منحة، وإنما هو حق شرعي وقانوني بموجب نصوص اتفاقية أوسلو للسلام. السلطات الإسرائيلية تتقاضى رسوما جمركية عن البضائع القادمة إلى أراضي السلطة الفلسطينية، ووفقاً لاتفاق أوسلو فإن السلطات الإسرائيلية ملزمة قانونياً بتسليم حصيلة هذه الرسوم بالكامل، إلى حكومة السلطة الفلسطينية.

لكن إسرائيل تقوم من حين لآخر باحتجاز هذه الأموال أو تأخير تسليمها، وذلك من قبيل الابتزاز السياسي كما حدث هذه المرة.

والسؤال الذي ينبغي أن يطرح هو: إلى متى تظل السلطة الفلسطينية معتمدة بالكامل في بقائها على قيد الحياة على ثلاثة مصادر ليست مضمونة: تبرعات أوروبية وعربية يمكن أن تتوقف في أي وقت، وأموال مستحقة قانونياً تتحكم دولة الاحتلال في ضخها أو منعها؟

لنرجع إلى اتفاق أوسلو.. بموجب الاتفاق تنشأ سلطة حكم ذاتي فلسطينية، تنحصر مهمتها في «حفظ الأمن» في الأرض المحتلة على مدى خمس سنوات، يدخل بعدها الطرفان في عملية تفاوضية جادة لتقرير مصير الشعب الفلسطيني، من خلال اتفاق على قضايا الوضع النهائي، بما يكفل قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، أي وضع نهاية حاسمة للحالة الاحتلالية.

الآن مضى على اتفاق أوسلو ما يقارب عشرين عاما والوضع الاحتلالي كما هو.. بل أسوأ مما كان عليه قبل أوسلو.

لكن الأشد سوءا هو بقاء السلطة الفلسطينية طوال هذه المدة، دون أجندة تحريرية. والأنكى من ذلك، هو أن بقاءها ينحصر في ما يطلق عليه التنسيق الأمني مع السلطة الاحتلالية.

إسرائيل لن تسمح إطلاقا بقيام دولة فلسطينية مستقلة، حتى قيادات السلطة الفلسطينية باتوا يقرون بهذه الحقيقة، فقبل أسبوع فقط، قال صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، إن إسرائيل «اختارت الإملاءات والمستوطنات بدلا من السلام والمفاوضات».

وكان قيادي فلسطيني آخر أكثر وضوحا، فقد قال مصطفى البرغوثي الأمين العام لفصيل «المبادرة»، إن إسرائيل تسعى لاستبدال فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، بحكم ذاتي مما ينسف حل الدولتين، وأكد أنه لا يوجد على أجندة إسرائيل سوى الاستيطان ونهب الأراضي المحتلة.

يبقى التساؤل الأكبر: إذا كان التفاوض لعبة إسرائيلية لشراء المزيد تلو المزيد من الوقت من أجل اكتمال المشروع الاستيطاني على كافة الأراضي المحتلة.. وإذا كانت قيادة السلطة الفلسطينية ترفض نهج المقاومة المسلحة من حيث المبدأ، فما هو مبرر بقاء السلطة؟

بناء على صيغة الحكم الذاتي المنصوص عليها في اتفاق أوسلو، لا تملك السلطة الفلسطينية حق التصرف في الموارد الاقتصادية الطبيعية على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك حتى مصادر المياه الجوفية.. هذا هو ما يضطر قيادة السلطة إلى الاعتماد الكامل على تبرعات خارجية.

لكن المؤسف حقا، هو أن معظم أموال التبرعات تنفق على متطلبات التنسيق الأمني مع إسرائيل.

 

Email