الصين وتحدي الجاذبية الأرضية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تودون معرفة ما معنى أن يكون المرء زعيماً صينياً في الوقت الحالي؟ إن الزعماء الصينيين يمضون أيامهم مصطفين أمام سد، وواضعين أصابعهم على مواضع تسريب لا تجف. ومظالم شعبهم عديدة، وبدلاً من السعي لمعالجتها، فإن أولوية هؤلاء الزعماء تتمثل في وضع حد للتذمر، ومعاقبة أي شخص يتذمر بصوت أعلى مما ينبغي. وكما يقولون، فإن هدفهم هو "الحفاظ على المجتمع متناغماً". ولكن ذلك لا يسهم في تهدئة الصينيين، وبالتالي فإن التسريبات، التي تزداد شيئاً فشيئاً، تستمر في التدفق.

ووفقاً لتقديرات الحكومة الصينية نفسها، فقد نظم الصينيون 180 ألف مظاهرة كبرى خلال العام الماضي. وتسمي الحكومة تلك المظاهرات بـ"الحوادث الجماعية". وهي في الحقيقة مسيرات غاضبة للتنديد بالتلوث والفساد وسرقات الأراضي والمواد الغذائية السامة.. والقائمة طويلة جداً.

وذلك يعني وقوع ما يقرب من 500 حادثة كل يوم. تخيل كيف سيكون الوضع في أميركا لو أن الأميركيين نظموا ما يقرب من 500 مظاهرة كبرى يومياً. كانت الحكومة الأميركية ستواجه استقالات قسرية، ولوائح اتهام، وقضايا تقصير وخيانة.

غير أن القادة الصينيين يكتفون بالتنزه، في إطار استعدادهم لتعيين دكتاتور جديد في الخريف لفترة رئاسية أخرى تمتد لخمس سنوات. أما بالنسبة للمواطنين وشكاواهم التي لا تعد ولا تحصى، فإن القادة يواصلون السعي لسد التسريبات.

وأحد أبرز تلك التسريبات يدعى "ويبو"، وهو المرادف الصيني لموقع "تويتر"، ويضم ما لا يقل عن 300 مليون مستخدم. وانطلق موقع "ويبو" بسبب حظر "تويتر" في الصين، جنبا إلى جنب مع موقعي "فيسبوك" و"يوتيوب".

وبالنظر إلى أن الرقابة المفروضة على وسائل الاعلام التقليدية تكاد تكون عالمية، فقد أصبح "ويبو" المكان الوحيد الذي يتيح للصينيين إجراء مناقشات صريحة فيما بينهم، غالباً ما يشتكون من خلالها من إهمال الحكومة أو سوء تصرفها.

وهذا الموقع مكن الناس من معرفة الحقيقة بشأن حادث القطار فائق السرعة الذي وقع في الصيف الماضي، بما في ذلك حقيقة أن المهندسين سارعوا إلى دفن عدد من عربات القطار، بهدف إخفاء أي أدلة على وقوع مخالفات. ويواصل المسؤولون الحكوميون لوم "ويبو" على سماحه للناس بـ"نشر الشائعات"، كما يقولون.

وبالنسبة إليهم، فإن "الشائعات" تشمل التطرق الواقعي إلى أمور لا يريدون أن يعرفها الناس. لذا فإنهم في الشهر الماضي وضعوا إصبعاً آخر على السد. حيث أمرت الوزارة التي تتولى مراقبة الإنترنت "ويبو" بإلزام مستخدميه بتسجيل الدخول إلى الخدمة بأسمائهم الحقيقية وبأرقام هوياتهم. في الواقع، بعد ذلك بأسبوعين، ذكرت تقارير صينية أن ذلك لم يحدث تغييراً يذكر.

فالمحرضون المعروفون أصبحوا أقل رغبة في استخدام "ويبو" الآن، فيما يقول المدونون الصينيون إن الغالبية العظمى تبدو وكأنها تستخدم الإنترنت كما السابق. ولكن بعد ذلك، هاجمت الحكومة أخيراً "ويبو" وغيره من مواقع الشبكات الاجتماعية، وعمدت إلى إغلاقها بصورة جزئية، مدعية أنها كانت تحمل "شائعات كثيرة" حول انقلاب مزعوم لم يتحقق.

ومن السابق لأوانه معرفة ما قد يفعله القادة الصينيون لاحقاً. فهم يواجهون مأزقاً حقيقياً. وبمجرد أن ينمو موقع مثل "ويبو" ليحظى بشعبية واسعة، فإنهم سيترددون في إغلاقه بشكل كلي، خوفاً من أن يسفر ذلك عن رد فعل سلبي هائل.

وكتب كل من يو ليو ودينغدينغ تشين، وهما أكاديميان صينيان، في مجلة "واشنطن كوارترلي"، يقولان: "إن الخوف المتزايد من جانب الحزب واستخدامه المتكرر لـ"القوة العارية" يشكلان دليلاً على اليأس، لا الثقة. ويمكن لتكثيف الرقابة والقمع أن ينفر المجتمع بدرجة أكبر، وهو ما سيؤدي بدوره إلى زيادة الضغط على الدولة من أجل الإصلاح".

وتساهم الإحصاءات في تأكيد ذلك. فكلما حاولت الحكومة خنق المعارضة، اشتد الناس غضباً. وقد وجدت الحكومة أن عدد الحوادث الجماعية وصل إلى 8700 حادث في عام 1993، وإلى 90000 في عام 2009، ثم تضاعف في العام الماضي.

وإليكم النهج الذي تتبعه الصين للتعامل مع تلك الاحتجاجات: إنها تنفق مليارات الدولارات من أجل وضع كاميرات في شوارع مدنها، لكي يتمكن ضباط الأمن من مراقبة الناس الذين يحتشدون بهدف التظاهر. وقد تم تثبيت 500 ألف كاميرا في مدينة تشونغقينغ، في جنوب غرب الصين، وحدها.

وتسمي الدولة ذلك برنامج "المدن الآمنة". وتعزيزا لذلك، حذرت الحكومة الصحافيين، خلال الأشهر الأخيرة، من نشر أية "معلومات غير مؤكدة"، أو، بالأحرى، أية حقائق لا تروق للمسؤولين.

وقال توماس فينغار، وهو الرئيس السابق لمجلس الاستخبارات القومي: "إن الشعور بالهشاشة السائد في الصين حالياً يكاد يكون جلياً. وهنالك شعور بأن هذه الدولة تتحدى الجاذبية الأرضية منذ فترة طويلة".

 

Email