إلى أين يمضي مبدأ الحماية في سوريا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ترسم المذابح المستمرة في سوريا وآليات الإعدام الفورية للنساء والأطفال والتدمير الكامل لمدن بأسرها صورة أكثر إثارة للانزعاج مما رأيناه في البوسنة والهرسك في التسعينات قبل تدخل حلف ناتو هناك.

ومع وجود كاميرات الهواتف النقالة والوسائط الاجتماعية وسكايب وغيرها من وسائل الاتصال، فإن بمقدورنا الآن أن نرى الجرائم ضد الإنسانية بعيد ارتكابها، وهو شيء لم يكن متاحا في البوسنة أو رواندا أو كمبوديا. وكنتيجة لذلك، فإن العالم بأسره قد انقلب على الرئيس السوري بشار الأسد باستثناء روسيا والصين وإيران.

وقد انهارت الآن خطة وقف إطلاق النار التي وجهها المبعوث الدولي والإقليمي كوفي عنان، وأصبحت معلقة إلى أمد غير محدد لأن العنف يتزايد فحسب، وحياة المراقبين الدوليين تتعرض للخطر، حسبما أكد رئيس البعثة الدولية. قبل ذلك بأيام، كان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابوس قد دعا إلى إقرار سريع من جانب الأمم المتحدة لمشروع قرار يتضمن تفويضا بالتحرك العسكري في سوريا، وكان سلفه ألان جوبيه قد طرح اقتراحا مماثلا في إبريل الماضي.

وبالطبع ليست هناك فرصة على الإطلاق لموافقة روسيا أو الصين على أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي متضمناً فرض عقوبات على سوريا، وهكذا فقد آن الأوان لكي نترك الأمم المتحدة وراءنا. وفي حقيقة الأمر أن اثنين من كبار مساعدي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد أصدرا أخيرا بينا يتضمن هذا المعنى على وجه الدقة.

قامت القوات السورية بقتل 132 شخصا آخرين في الأيام الثلاثة الأولى التي أعقبت انسحاب الأمم المتحدة، وقامت المدفعية السورية من جديد بإمطار حمص وغيرها من المدن الأخرى بالقذائف، وقد لقي 12 ألف شخص مصرعهم منذ بدء الانتفاضة قبل 16 شهرا مضت، وتم ذلك بضراوة ووحشية بالغين.

نعم لقد سئمت الدول الغربية من الصراع في الشرق الأوسط بعد حرب العراق، وما يزيد على 10 سنوات في أفغانستان، وحملة ليبيا التي شنت خلال العام الماضي. ولكن الأوان قد آن لوقف إصدار البيانات الغاضبة التي لا ثقل لها على نحو ما عكف زعماء العالم على إصداره على امتداد أكثر من عام، وفي حقيقة الأمر أن هذه التهديدات الجوفاء قد انتهت بطمأنة الرئيس السوري بشار الأسد إلى أنه يمكن أن يفعل ما يريده دون أن يتحمل أي عواقب حقيقية.

ومع ذلك، فإن النظام السوري يسير على حبل مشدود لن يطول الأمد قبل دفعه للسقوط، وهنا تبرز فكرة مهمة، حيث يمكن لحلف «ناتو» أن يرسل سفنا حربية تقل صواريخ موجهة، أو غواصات إلى البحر المتوسط مسلحة بصواريخ توماهوك من النوع الذي استخدم بفعالية كبيرة في العراق وليبيا.

ويمكن إطلاق هذه الصواريخ على قواعد الجيش السوري وممرات مطاراته ومراكز طائراته الهليكوبتر ومستودعات الدبابات وغيرها من المواقع العسكرية. وهذا يعني أنه لن يتم الهجوم إلا على أولئك الذين يقتلون النساء والأطفال، ويرتكبون الجرائم ضد الإنسانية، فصواريخ كروز دقيقة للغاية وتوجه نفسها.

إن هذا من شأنه أن يحقق العديد من الأمور، فخلال العام الماضي قام مئات من الضباط والجنود السوريين بالانشقاق عن وحداتهم والانضمام إلى الانتفاضة. ومع تعرض قواعد الجيش السوري للهجوم، فإن من المؤكد أن المزيد من العسكريين سيهربون، ومن سيكونون أقل ثقة بحيث لا يمكنهم ارتكاب جرائمهم الوحشية دون رد عليها.

وهذا لن يتطلب إرسال قوات إلى الأرض، وسفن ناتو الحربية لن تتعرض لهجوم مضاد حتى على الرغم من أن كبير مصدري الأسلحة الروس قد أبلغ صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي بأن شركته تشحن أسلحة متطورة مضادة للسفن والطائرات إلى سوريا، وحذر قائلا: «هذا ليس تهديدا، ولكن من يخطط لشن هجوم يتعين عليه أن يفكر فيه».

وقالت روسيا أيضاً إنها تبعث بقوات لدعم ميناء طرطوس السوري الذي تستخدمه، وفي الوقت نفسه تقريبا، قال مسؤولون عسكريون أميركيون إن خططا هجومية تتعلق بسوريا قد أصبحت مكتملة وجاهزة للتقديم للرئيس الأميركي بناء على طلبه، حسبما ذكرت شبكة:«سي إن إن».

إذا حدث لسبب أو لآخر، أن هذه الخطة تعذر تنفيذها، فإن الحاجة ستغدو ماسة إلى خطة أخرى، فالغرب بالفعل يتحمل مسؤولية الحماية. ولنتأمل كيف وصفت منظمة العفو الدولية في تقرير لها أصدرته أخيرا الوضعية في سوريا في الوقت الراهن: «تقوم القوات المسلحة والميليشيات التابعة لها حالياً باجتياح القرى وإخراج الرجال من بيوتهم وإعدامهم فوراً، وهذه القوات تحرق البيوت والممتلكات.

وفي بعض الأحيان جثث أولئك الذين قتلتهم بدم بارد، وتقوم بقصف المناطق السكنية بالقذائف وإطلاق الرصاص عليها وقتل وجرح الرجال والنساء والأطفال، وهذه القوات تعذب بشكل روتيني المحتجزين، وفي بعض الأحيان حتى الموت».

 

Email