عذراً سيادة الرئيس..

ت + ت - الحجم الطبيعي

فوز رئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي بمقعد الرئاسة المصرية ترك لدى الفلسطينيين، أسئلة حائرة، وإجابات متناقضة، انطلاقاً من حالة الانقسام الكبير الذي يميز أوضاعهم منذ أكثر من خمس سنوات.

وفيما لم يبد المراهنون على فوز الفريق أحمد شفيق، سوى عبارات المجاملة، وتظاهروا بتأييدهم لنتائج «صناديق الاقتراع»، فقد اندلعت في قطاع غزة موجة عارمة من الاحتفالات الصاخبة فور إعلان رئيس اللجنة المركزية للانتخابات الرئاسية في مصر عن فوز الدكتور مرسي.

شيء شبيه بما حصل في ساحة التحرير لحظة الإعلان عن فوز مرسي، خرج الآلاف من أعضاء ومناصري حركة حماس والحركات الإسلامية الأخرى، تغمرهم فرحة عارمة يغذيها شعور قوي بأن ذلك الفوز إنما يدشن بداية مرحلة جديدة مختلفة، واعدة بالانفراج والانتعاش والكثير من الإنجازات التي انتظرتها حركة حماس على أحر من الجمر طيلة سنوات الحصار المفروض على قطاع غزة.

أهل غزة الذين كابدوا نتائج الحصار والعدوان الإسرائيلي، الذي صادر أبسط حقوقهم الإنسانية، باتوا يترقبون لحظة فتح المعبر الوحيد الذي يصلهم بالعالم الخارجي.

وبعضهم يتطلع إلى أن يسافر في سيارته الخاصة، بدون توقف وفي أي ساعة يشاء، فضلاً عن أنهم ينتظرون بشوق عودة التيار الكهربائي بصورة مستمرة وبدون الانقطاعات الطويلة التي يرفض أهل غزة التكيف معها. على المستوى الإنساني، قد يشعر أهل غزة بالارتياح، لما ينتظرون تحققه على أرض الواقع، رغم إدراكهم العميق، بأن إسرائيل هي الأخرى تنتظر اليوم الذي تندفع فيه غزة كلياً باتجاه مصر.

وهو أمر وهدف خططت له الدوائر الإسرائيلية وعملت على تحقيقه منذ قرارها إعادة انتشار وجودها في القطاع عام 2005. فلقد التزمت إسرائيل سياسة تتصل بإجراءات مختلفة ومتدرجة للتخلص من مسؤولياتها السياسية والاجتماعية والقانونية والإنسانية كدولة احتلال عن قطاع غزة، وكان ذلك ولا يزال

أحد أبرز الأهداف التي تسعى إسرائيل من خلال تنفيذها، التخلص من فكرة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة منذ عام 1967. على أن فوز مرسي بكرسي الرئاسة في مصر، الدولة المركزية الكبيرة، والتي تشكل العمق الاستراتيجي الأساسي للقضية الفلسطينية، هذا الفوز يفتح المجال أمام أسئلة كبيرة، تتصل بمدى تأثير ذلك على أوضاع الفلسطينيين واستراتيجياتهم وخياراتهم، وطبيعة علاقاتهم وتعاملهم مع المحتل الإسرائيلي.

يعتقد الكثيرون أن المصالحة الفلسطينية هي أول ضحايا فوز مرسي، على اعتبار أن ذلك يوفر لحركة حماس قوة إضافية، يفتح أمامها آفاقاً كانت مغلقة حتى وقت قريب، الأمر الذي يؤدي إلى اختلال موازين القوى الداخلية الفلسطينية لصالح حركة حماس التي تعتبر أن الانفراج المرتقب لقطاع غزة، هو ثمرة صمودها، ومقاومتها للحصار والضغوطات الخارجية وأن من حقها أن تحصد لوحدها ثمن هذا الصمود، والتضحيات الكبيرة التي قدمتها خلال الخمس سنوات بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع.

وبعيداً عن الأخلاق والقيم، والمشاعر، التي لا تتفق ومكر السياسة، فإن اتفاق المصالحة الذي تم التوصل إليه قبل ثلاث سنوات، وتم توقيفه قبل عام، لم يعد صالحاً في ظل ظروف ومعطيات وموازين قوى فلسطينية جديدة ومختلفة، الأمر الذي قد يتطلب في أحسن الأحوال حوارات جديدة، تسعى من خلالها حماس لتعزيز مكاسبها في أي اتفاق جديد.

قبل فوز مرسي كان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، يتحدث عن صعوبة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتشكيل الحكومة، ويقترح أن يبادر الفلسطينيون لإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني على أساس التمثيل النسبي الكامل، وبعد ذلك التصريح أدلى بآخر، تحدث فيه عن فيتو أميركي جديد على موضوع المصالحة.

وإذا كانت حركة فتح تدرك ذلك، فإنها لا تبدي استعداداً للامتثال، أو تقديم تنازلات جديدة، فضلاً عن أن ثمة تحركات سياسية تتصل بإمكانية تحريك المفاوضات، مما يعني أن الأوضاع العامة المحيطة لا تسمح بتحقيق المصالحة، خاصةً بعد أن رهن الفلسطينيون إراداتهم وقراراتهم بعوامل خارجية.

وإذا كان من المبكر الاستعجال في إصدار الأحكام والتقييمات، وإطلاق التوقعات بشأن الآثار المرتقبة لوصول مرشح الإخوان المسلمين إلى كرسي الرئاسة، على القضية الفلسطينية، فإن السياسيين الفلسطينيين يسجلون ملاحظتين أساسيتين على الخطاب الذي ألقاه الرئيس مرسي في اليوم التالي لإعلان فوزه.

الملاحظة الأولى، تتصل بإعلانه الالتزام بكافة الاتفاقيات التي وقعتها مصر مع الأطراف الأخرى بما في ذلك اتفاقية كامب ديفيد، وإعلانه التزام مصر الجديدة بالسلام، وهو أمر يتناقض مع مواقف حركة الإخوان المسلمين، الذين لم يتوقفوا عن إعلان رفضهم اتفاقيات كامب ديفيد، والتأكيد على عداء الحركة لإسرائيل. وإذا كان من المنطقي والموضوعي أن نرى الفارق في المواقف والسياسات بين من يكون خارج الحكم وفي المعارضة عنها حين يكون في مواقع المسؤولية.

بالإضافة إلى أن الرجل لم يتسلم مسؤولياته بعد، ولم يستقر الحكم لحركته، فإن الفلسطينيين يراقبون بحذر ما ستؤول إليه مواقف وسياسات مصر خلال المرحلة المقبلة، التي يتحمل خلالها الإخوان المسلمون المسؤولية من مواقع متقدمة رسمية وشعبية.

أما الملاحظة الثانية فهي أن الرئيس مرسي لم يتطرق نهائياً للموضوع الفلسطيني في خطاب الانتصار، لا سلباً ولا إيجاباً، الأمر الذي يفهم في علم السياسة، على أنه إما ينتمي إلى مكرها، أو أنه يشير إلى الهبوط بها إلى أدنى سلم الأولويات والاهتمامات.

على أية حال، فإن الفلسطينيين يلتمسون العذر، لكنهم ينتظرون ويترقبون ما ستأتي به السنوات المقبلة، ذلك أن انتخاب الرئيس لا يشكل سوى البداية لمرحلة قد تطول من عدم الاستقرار، والتعارضات الداخلية، نظراً لضخامة التحديات التي تواجه الحكم الجديد الذي تنتظره، عمليات جراحية، حتى يستوي الأمر إما لبناء نظام شراكة سياسية تحترم التعددية والديمقراطية، أو نظام احتكار الحزب الواحد.

 

Email