رومني والخبرة في الشؤون الخارجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن بات من المؤكد ترشيح ميت رومني ليخوض السباق الرئاسي الأميركي عن الحزب الجمهوري، آن الأوان لأن يتم تمحيص سياسته الخارجية وخلفيته في هذا الشأن.

وباختصار يمكن القول إنه ليست له خبرة كبيرة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، بل ليست له خبرة على الإطلاق، وتصريحاته في هذا الشأن مثيرة للقلق. لقد وصف رومني الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه "ساذج"، لإعلانه خطط سحب القوات الأميركية من أفغانستان.

والواقع أن رومني هو الساذج وتلك هي المشكلة، ففي ضوء كل الورطات التي تواجهها الولايات المتحدة على امتداد العالم، لسنا بحاجة إلى رئيس آخر يخمن ما يفعله من خلال التجربة والخطأ.

عندما دخل أوباما البيت الأبيض في 2009، كان بدوره ساذجا تماما، رغم أنه عمل في لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، ولكن بمجرد توليه لمنصبه، ارتكب خطأ يوحي بالسذاجة وضارا في مجال السياسة الخارجية، حيث اقتحم غمار عملية السلام المعقدة في الشرق الأوسط، وحاول الضغط على إسرائيل لإيقاف بناء المستوطنات في الضفة الغربية.

وقد قام كل رئيس أميركي منذ جيمي كارتر بحثّ إسرائيل على وقف بناء المستوطنات وفشلوا جميعا، فلماذا يعتقد أوباما أن مطلبه سيكون أكثر فاعلية من مطالب الرؤساء الأميركيين على امتداد 35 عاما؟

الحقيقة أن المطلب لهذه المرة قد أحدث المزيد من الضرر، فقد قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس حينذاك: "عندما تولى أوباما السلطة كان هو الذي أعلن أن النشاط الاستيطاني ينبغي أن يتم إيقافه، وإذا كانت أميركا تقول ذلك وتقوله أوروبا ويقوله العالم كله، فهل تريدني ألا أقوله؟".

مع ذلك يرفض الرئيس عباس الجلوس إلى مائدة المفاوضات طالما أن إسرائيل تواصل بناء المستوطنات وتوسيعها، وقد هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مؤخرا، بالقيام بعملية توسع كبيرة أخرى في المستوطنات، ومن المؤكد أن هذا كله أعطى درسا لأوباما، وربما لا تتفق مع سياساته الخارجية، ولكنه لم يرتكب خطأ يوحي بالسذاجة منذ ذلك الحين.

الآن يدخل إلى الساحة ميت رومني، الذي أعلن قبل أسابيع أن: "روسيا هي الخصم الجيوسياسي الأول لأميركا".. يا للهراء! إن العلاقة الأميركية - الروسية متوترة قليلا، ولكن ماذا عن كوريا الشمالية وباكستان؟

كتب كلاوس لاريس، الأكاديمي الأميركي من أصل ألماني، في مقال في المعهد الأميركي للدراسات: "على الفور طفت إلى السطح تكهنات حول أن حاكم ماساسوستش السابق يواصل العيش في عالم الحرب الباردة، وأنه ليست لديه رؤية عميقة، إن كانت هناك أي رؤية على الإطلاق، حول السياسة الخارجية الأميركية". وكان الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، قد أبلغ رومني بأن عليه أن يستخدم رأسه، وقال له: "انظر في ساعتك، إننا نعيش الآن في عام 2012 وليس في منتصف سبعينات القرن الماضي".

ولم تكن نصيحة رومني في ما يتعلق بأفغانستان أفضل حالا، فقد وصف مرارا وتكرارا خطة الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية من هناك، بأنها "ضلت طريقها وتعد إقرارا غير مألوف بالفشل".

لقد أكد رومني في الماضي أن الولايات المتحدة وحلف "ناتو" يحتاجان لإيقاع الهزيمة بطالبان قبل الخروج من أفغانستان، وكان هذا هو الهدف على امتداد 11 عاما، وحلف ناتو ليس أقرب اليوم من تحقيق هذا الهدف.

ويؤكد التقدير الأحدث للاستخبارات الأميركية، أن حرب أفغانستان لا سبيل إلى الانتصار فيها، طالما أن قوات طالبان تحتفظ بمقر آمن لها في باكستان، وطالما أن الحكومة الأفغانية تواصل اعتماد أساليبها الفاسدة والمفضية إلى نتائج عكسية.

إنني أتساءل عما إذا كان رومني يعرف أن ثلث المقاتلين الغربيين الذين لقوا مصرعهم في أفغانستان منذ بداية العام الجاري، قد قتلوا على أيدي الجنود الأفغان الذين كانوا يدربونهم أو يقودونهم. وفي إفصاح آخر عن السذاجة، كرر رومني القول بأنه سيسمح للقادة العسكريين بتحديد السياسة تجاه أفغانستان.

ألا يعرف أن كل ضابط حربي يتم تلقينه منذ اليوم الأول في الخدمة، ضرورة أن يعتقد أن مهمته ممكنة التحقيق مهما كانت الظروف؟ هل يمكنك أن تتخيل قائدا لمسرح عمليات عسكرية يقول للرئيس الأميركي: "سيدي إنني لا يمكنني تحقيق مهمتي، لا سبيل إلى تحقيق النصر في هذه الحرب، وقد آن الأوان للانسحاب"؟

اليوم يلتزم رومني الهدوء على نحو نسبي حول موضوع أفغانستان، وربما بعد أن أدرك أن الغالبية الكاسحة من الأميركيين، بل ومعظم الجمهوريين، يرغبون في إعادة القوات الأميركية من أفغانستان إلى أميركا الآن. خلال الانتخابات التمهيدية الجمهورية، لم تكن الشؤون الخارجية موضوعا مهما مطروحا للنقاش.

وهذا أمر مؤسف، فنحن نواجه العديد من الورطات، فهناك سوريا والصين وفنزويلا، بل وإسرائيل التي وعد رومني بأن يسمح لصديقه رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو، الذي يعد القائد الأكثر تخريبا لإسرائيل، بأن يتخذ بعض القرارات من أجله.

وقد قال رومني واضعا نصب عينيه أصوات اليهود والمسيحيين التبشيريين، بأنه لن يعلن سياسة حيال الشرق الأوسط إلا بعد أن يسأل نتانياهو: ما الذي ترغب في أن أقوم به؟ نقل دوغ باندو، وهو مسؤول سابق في إدارة ريغان، في مقال له في مجلة "كونزرفاتور"، عن محافظين آخرين قولهم إن "الرئيس أوباما ضعيف على نحو مذهل" في مجال السياسة الخارجية. ولكن باندو أضاف: "حتى الآن لا يعد رومني مقنعا إلا باعتباره موجها للضربات لا يعرف شيئا عن السياسة الخارجية".

 

Email