الجذور الثقافية لمشكلات الصين

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواجه الصين من جديد فضيحة تتعلق بجودة منتجاتها، وهي فضيحة أخرى في سلسلة تبدو بلا نهاية، على الرغم من أن الهروب الكبير الذي قام به المنشق الضرير أخيراً والكارثة التي تواجهها عائلة بو زيلاي يحجمان جميع الأخبار المرتبطة بها. ومع ذلك، فإن الفضيحة الجديدة وقضية بو مستمدتان من سبب ثقافي واحد. وقبل بضعة أيام، أعلنت الدولة الصينية أنها اعتقلت 54 مشتبها به.

وأغلقت 80 «خط إنتاج غير شرعي»، وضبطت 77 مليون كبسولة جيلاتينية تدخل في أدوية الوصفات، لتلوثها بشدة بالكروم، وهو مادة مسرطنة. وأضافت وزارة الأمن العام إنها «تولي قدراً كبيراً من الاهتمام لقضية الكمية الزائدة من الكروم في كبسولات مخصصة للاستخدام الطبي».

كيف حدث هذا؟ لسنوات عدة، واظبت الحكومة الصينية على حفز شركات الرعاية الصحية على خفض تكاليفها. لذا فإن شركات الأدوية اعتمدت استراتيجية جديدة، إذ بدأت باستخدام جيلاتين صناعي أرخص بكثير، يستخدم عادة في صنع الغراء للأحذية. ويأتي هذا بعد عام فقط من فضيحة «الحليب الجلدي» الصيني.

حيث عمدت الشركات المصنعة لمنتجات الألبان، في محاولة لكسب المزيد من المال، إلى تخفيف الحليب بالماء. ولكنها بعد ذلك، أدركت أن الحليب المائي لم يكن ليجتاز اختبارات محتوى البروتين. فاشترت من المدابغ كمية من المخلفات الجلدية، التي تحتوي على نسبة عالية من البروتين وتسبب السرطان أيضاً، وألقت بها في الحليب.

وبالنظر إلى هذه القضايا وغيرها الكثير من القضايا المماثلة، ومنها فضيحة الحليب الذي أضيفت إليه مواد كيميائية تسببت في نمو أثداء أطفال رضع لم يزالوا في المهد، فقد يختار المرء قبول تفسير خيري. إن الولايات المتحدة لم تنشئ لجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية حتى عام 1972، ولم تنشئ وكالة الحماية البيئية حتى عام 1970. أما إدارة الغذاء والدواء فهي الأقدم، نظراً لأنها أسست عام 1906، بعد أن أشار صحافيون إلى مسألة تزوير براءات اختراع الأدوية واسعة النطاق.

وكتب صموئيل هوبكنز آدامز في مجلة «كولير» في عام 1905 يقول: «إن أميركا الساذجة» سوف «تبتلع كميات كبيرة من الكحول، وكمية مروعة من المخدرات، وتشكيلة واسعة من الأدوية التي تتراوح بين المسكنات القلبية القوية والخطيرة ومنشطات الكبد الخبيثة، فضلاً عن جرعة زائدة من كل المكونات الأخرى، وهو بمثابة الاحتيال غير المخفف». وفي ذلك الحين، كانت أميركا، بالطبع، قد تجاوزت عامها المئة وخمسة وعشرين.

والصين دولة قديمة، ولكنها نمت لتصبح قوة صناعية في غضون جيل واحد فقط. وهي حتى الآن لم تؤسس هيكلا تنظيميا فعالا لمراقبة شركاتها المصنعة. وذلك يلعب دورا بالتأكيد. ولكن هناك مشكلة أخرى مؤسسية: الصين دولة من المحتالين!

لا، لست أقصد تلطيخ سمعة 1.35 مليار صيني. فالكثير منهم، بلا شك، يحاول أن يكون نزيها، وإن كان ذلك سيضعه في موقف يفقده مزاياه. إلا أن الدولة تضم العديد من الأشخاص الأنانيين والمخادعين الذين أعطوا البلد بأكمله صيتا سيئا. فعلى سبيل المثال، كشفت دراسة أجراها أحد مواقع التواصل الاجتماعي الصينية أخيراً عن انتشار الغش بين المتقدمين بطلب للالتحاق بجامعات أميركية. ووجدت الدراسة أن ما لا يقل عن 70% من مقالات طلب الالتحاق تكتب من قبل أشخاص آخرين، وأن دفاتر العلامات تخضع للتزوير.

وأنه يتم توظيف أشخاص أفضل تعليما للخضوع لاختبارات الكفاءة الدراسية واللغة الإنجليزية. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، أخيراً، أن العديد من الصحف والمجلات الصينية توزع بطاقات أسعار لكل من يريد شراء ملف شخصي مزور وحافل بالإشادة. ومنذ وقت ليس ببعيد، عمد سائق حافلة مدرسية غشاش إلى حشد 64 تلميذ روضة في سيارة ذات تسعة مقاعد، ثم اصطدم بشاحنة.

فتوفي تسعة عشر طفلا. ومثل هذه الحوادث مألوفة. وفي حقيقة الأمر، فإن الصين تشهد أكبر عدد من حوادث الطرق المميتة على مستوى العالم، مع أن ملكية السيارات للفرد الواحد، رغم أنها تنمو بسرعة، لاتزال منخفضة، وتضاهي نظيرتها في سريلانكا. وتكمن المشكلة في أن الصينيين غالباً ما يشترون سيارة قبل أن يتعلموا القيادة.

ونشرت مجلة «لانسيت»، وهي مجلة طبية بريطانية، مقالة تدعو لليأس حول موت الصينيين بلا داع على الطرقات. وتشير المقالة إلى أن الإحصاءات الحكومية بشأن عدد وفيات الحوادث المرورية تقلل من شأن هذه المشكلة إلى حد كبير، إذ تعترف بأقل من نصف الحوادث، وتخلص إلى أن «الحكومة الصينية ما لم تكن صادقة مع شعبها، ومع نفسها»، فإن هذه المشكلة لن تحل.

كيف يتعلق كل هذا التضليل والغش ببو زيلاي وزوجته المتهمة بجريمة قتل وكذلك ابنهما المبذر؟ يحوز بو، كما كشفت تقارير أخيرة، على ما لا يقل عن 160 مليون دولار، على الرغم من أن راتبه الحكومي يبلغ 19 ألف دولار أميركي. والفساد، وهو حتما شكل من أشكال الغش.

غير أن «تقرير هورون»، الذي يروي قصص حياة أثرياء الصين ونقاط ضعفهم، ذكر أن أغنى 70 عضوا في الهيئة التشريعية الصينية يحوزون على 89.8 مليار دولار، أي أكثر مما يملكه الرئيس الأميركي وأعضاء مجلس الوزراء وجميع أعضاء الكونغرس البالغ عددهم 535 عضوا بـ12 ضعفاً.

لقد سئم ملايين الصينيين العاديين. وتحدثت ليو شو، وهي أم قلقة بشأن حليب طفلها، إلى وكالة «رويترز» قائلة: «ليس هناك من خيار أمامي سوى شراء الماركات الأجنبية. فأنا لا أثق بهم».

 

Email