بين مصر والمصير

ت + ت - الحجم الطبيعي

الوضع المصري ينذر بالخطر بعد القرار الأخير للمحكمة الدستورية العليا، والذي ضج له العالم، هذا القرار الذي جاء في اللحظة الأخيرة لإنقاذ أحمد شفيق من حبل استبعاده من العودة إلى الحكم مرة أخرى. والخوف من هذا القرار وما قد يتبعه، أن تظل مصر تدور حول نقطة الصفر هذه إلى آلاف السنين.

فكل شيء في مصر يعمر لآلاف السنين، ابتداء من نهر النيل العظيم، إلى آثار الجيزة ، إلى المومياوات المحنطة، إلى الانفراد بالحكم وتوريثه.. إلخ. فلا عجب أن تنتقل جينات الفراعنة وحب البقاء في السلطة المطلقة حتى بعد الموت، إلى المرشحين القادمين. فها هو المجلس العسكري، رغم كل ما حدث في ساحة التحرير من حرب غبراء من معركة الحجارة إلى موقعة الجمل، يحكم البلاد نائماً وهو قرير العين.

إن الثورة الثانية التي عرفت بثورة ساحة التحرير، تعتبر بعد ثورة جمال عبد الناصر قبل 60 عاماً بالتمام والكمال، واحدة من أبرز سمات تاريخ مصر الحديث حتى الآن، حتى ولو أقررنا بأن شرارتها الأولى لم تكـن من اخـتراع المصريين (رغم أن النار اكتشفت من قـبل الإنسان قبل 450.000 سنة!)، بل تطايرت إلى الشعب المصري من على بعد آلاف الأميال، ومن تونس تحديداً.

غير أن الثورة الثانية الـتي هلل لها العرب والمسلمون في كل مكان، والتي تطلع إليها العالم بشيء من الانبهار والإعجاب، كونها تحدث في بلد له ميزة خاصـة تاريخياً وسياسياً وجغرافياً وسكانياً، هذه الثورة ربما قدر لها أو كتب عليها، أو في أضعف الإيمان خطط لها أن تذهب أدراج الرياح.

الخوف هذه الأيام من أن تفشل هذه الثورة، بعد أن تحدث العالم بأسره عن الربيع العربي الذي يئس من انتظاره، وبعد أن تخيلت الأمم الأخرى أن الشعوب العربية وحدها لا غير كتبت على نفسها شقاء البقاء تحت وصاية رجل واحد، يحكم طوال العمر ويخلفه أولاده وأحفاده تحت شعار: أنا أفضل منكم وأنا خيركم وأحكم بأمر الله، ولا يجوز القيام على الحاكم الذي اصطفاه الله كيفما كان وأينما كان.. لتبقى الشعوب العربية مسلوبة الحرية والإرادة هكذا دون صحوة ولا حراك.

انتفاضة الشعب المصري الذي يضرب به المثل في الطيبة وخفة الدم، غيرت كل تلك المفاهيم، مع أنه لم يتعرض إلى ما تعرض له الشعب الليبي قبل وأثناء وبعد ثورته، ولا الشعب السوري في تمرده الدموي. فهذه الثورة انطلقت مسالمة وانتهت كذلك، هذه الانتفاضة حركت الضمير والإعلام العالمي أكثر من غيرها، باعتبار أن مصر هي مركز العالم العربي وهي من يقود الأمة العربية، لمكانتها التاريخية والثورية والسكانية، وبالتالي فإن نجاحها يعني أن تتساقط خلفها الأنظمة المستبدة كقطع الدومينو الواحدة تلو الأخرى، ويتحرر الإنسان العربي.

غير أن ما لم تكن تتنبه إليه شعوب العالم صاحب النية الحسنة، وهم يتابعون لحظة بلحظة سقوط نظام وقيام نظام جديد، هو أنه كانت هناك حسابات المصريين لمصيرهم الجديد، وهناك الحسابات القديمة لذئاب وثعالب العالم الغربي الصناعي وخشيته من ضياع هيمنته الاستعمارية على المنطقة بسقوط مصر، فوقع التصادم بين حسابات هؤلاء وحسابات هؤلاء.

وكان لا بد لهؤلاء من التدخل قبل فوات الأوان كما فاتهم من قبل صوت انفجارات الصحوة في مكان آخر. غير أن المصريين كانوا أذكى من ذلك، وكشفوا التدخلات الأجنبية الفاضحة في الثورة المصرية بالمال والنفوذ والاستخبارات السرية في أكثر من موقع، وفر من فر وقبض على من قبض عليه حتى أفرج عنهم أيضاً بعصا ساحر.

وقرارات محكمة الدستور العليا اليوم، تطرح من جديد مجموعة علامات استفهام حول التدخلات الغربية بكل ثقلها ومالها واستخباراتها، في تقرير مصير شعب مصر الذي قرر التحرر من النفوذ الاستعماري القديم... وحتى في كيفية اختيار رئيس نزيه، لم تتلطخ يداه بدماء الأبرياء ولا يكون منفذاً لمخططات الغرب.

 

Email